
الحرب الأوكرانية: تراكمات كمية… هل دنت لحظة التحولات العاصفة؟
ميخائيل عوض
طالت العملية العسكرية الخاصة الروسية كثيراً بحسب بعض الخبراء والمحللين المستعجلين، وربما بحسب رغبات الأطلسي، وما أشاعه من مخططات وتقديرات للأهداف الروسية والخطط التي افترضها لروسيا.
إطالة أمد الحرب قد تكون بذاتها خطة واستراتيجية ومنهج لروسيا، استعصت على فهم واستيعاب الكثيرين. فالشرق عموماً وآسيا في فلسفاتها الحربية ونظرياتها العسكرية تميل إلى الحروب الطويلة الأمد، على عكس الغرب، الأنكلو- ساكسوني الذي ابتدع فلسفات ونظريات الحرب السريعة والاستباقية والصدمة والترويع والحروب الخاطفة والنظيفة، ويعود جوهر الاختلاف بين الفلسفات والنظريات الطبائع وثقافات واليات تطور وموقع كل من الطرفين.
الغرب الأنكلو- ساكسوني عدواني واحتلالي واستعماري وظالم ما تفرض عليه طبائعه واستهدافاته ومصالحة أن ينهي الحروب بأقصى السرعات لتامين سيطرته ونهبه وفرض إرادته وجني المكاسب وتقليل الخسائر البشرية والمادية فمجتمعاته لا تتحمل نزفاً طويلاً بالموارد والبشر.
الشرق وآسيا أمم وشعوب وتشكيلات عريقة تطورت بهدوء وتبعاً لقواعد وقوانين التطور الطبيعي، وليست عدوانية ولا باغية ولا استعمارية، وغالباً ما يقع عليها العدوان فتلوذ بالزمن وبإطالة أمد الحروب وتراهن على المتغيرات والعوامل الطبيعية واستنزاف الخصوم وانهاكهم. هذه تجربة الصين في حروبها وفيتنام وكوريا وروسيا، وهكذا خرجت تنظيرات وفلسفات حرب العصابات وحروب المقاومة والحرب الشعبية طويلة الأمد في الصين وفي الهند الصينية وعممت على العالم .
روسيا تجيد فلسفات ونظريات الحرب الدفاعية والحرب الطويلة الأمد، وكثيراً ما هزمت الغزاة باستغلال جنرال الثلج والاستنزاف، ولهذا تشكلت محور تطورات أوروبا التاريخية وأنقذت شعوبها والعالم من سيطرة القوى الباغية والنازية، وليس من فراغ إعلان بوتين أول أهداف العملية الخاصة في أوكرانيا استئصال النازيين الجدد.
حققت روسيا من استراتيجياتها للحرب الطويلة الأمد في أوكرانيا غالبية الأهداف التي حددتها لعمليتها الخاصة، وتزيد من مراكمة المكاسب.
نرصدها على النحو الاتي:
1- أضعفت ودمرت وكشفت الجماعات النازية ونازلتها في أخطر المدن التي اعدت لاستنزاف روسيا وإلحاق الهزيمة فيها، وآخر مكاسبها السيطرة على باخموت بعد وقت طويل وقاس، فوجهت ضربة ساحقة للمرتزقة وقوات أزوف والنازيين.
2- حررت وأعلنت ظم المقاطعات الأربع التي استهدفت تحريرها، وما زالت تقاتل لاستكمال تحرير الدونباس وزباروجيا.
3- دمرت المؤسسة والصناعات العسكرية ومقرات الإدارة والقيادة والسيطرة، وحولت الجيش والصناعات الأوكرانية إلى الاستيراد والارتزاق وانتظار الامدادات من الاطلسي والأميركي، وعطلت إلى الأبد قدرة أوكرانيا على أن تكون قوة محورية في أوروبا وعلى خاصرتها الرخوة.
4- استدرجت الأطلسي وأميركا إلى بؤرة استنزاف قاتلة، وقريبة من حدود روسيا وتحت سيطرتها تتحكم بمساراتها ونجحت في تعرية التحالف وكشف الاستراتيجية الأميركية بإفقار أوروبا وتحويلها إلى جمهوريات موز وحلف العبودية الخاضع لاميركا على حساب ما كان يفترضه الأوروبيون من حلف المصالح.
5- كشفت وأثبتت التراجع الحاد في موقع أميركا وسيطرتها العالمية ووفرت الأسباب والشروط لتمردات واسعة على إملاءاتها، ليس أقلها ما يجري مع السعودية ومصر والبرازيل وعموم أميركا الجنوبية وأفريقيا، ناهيك عن الهند وغالبية الدول الآسيوية.
6- وفرت الشروط والحوافز لتسريع انتقال الصين إلى الهجومية والفاعلية وانتزاع دور محوري في إدارة العالم الجديد البزغ من الحرب الأوكرانية التي تحولت من عملية خاصة إلى حرب شاملة.
7- أطلقت حرب تحرير الاقتصاديات العالمية من هيمنة الدولار ومنظومات السويفت والتبادلات المالية التي تهمين عليها اميريكا وتسببت بتوسع اليات التبادل بالعملات الوطنية وباليوان والروبية والروبل وتوسيع نفوذ السويفت الروسي والصيني.
8- سرعت من انكشاف الاقتصاد الأميركي والأوروبي على الأزمات والفقاعات المالية والمصرفية وإعلان الإفلاسات والكثير من المؤشرات تقطع بأن الاقتصاد الرأسمالي في حقبته الليبرالية المتوحشة إلى التراجع الحدي وربما الانهيار.
على الصعيد العسكري تحقق لروسيا سلسلة طويلة من الأهداف والانجازات منها؛
1- كشف الأسلحة الغربية وهزالها بالمقارنة مع تفوق السلاح الروسي، وأخيراً أجهزت الصواريخ الروسية على منظومات الباتريوت وحولتها خردة.
2- اختبرت روسيا أسلحتها وحدثت أجيالها وعدلتها في حرب تحاكي حرباً مع أميركا والناتو واستعرضت عضلاتها النووية الاستراتيجية والتكتيكية.
3- أطاحت بدبابات ليوبارد واخواتها التي قدمت لأوكرانيا بذريعة الإعداد للهجوم المضاد في الربيع، وقد شارف الطقس دخول فصل الخريف.
4- بددت الحشود والتجمعات التي جرت محاولات تنظيمها لشن هجوم مضاد وبادرت الى تدمير ما بقي من بنى تحتية في كييف والمدن الأوكرانية، وانتقلت عملياتها إلى أوديسا لتدمير المستودعات والبنى التحتية العسكرية وذات الاستخدام المزدوج.
5- تنتظر الفرصة لإحالة طائرات ال ف16 إلى التقاعد المبكر ومجامع الخردة.
ماذا حققت أوكرانيا والأطلسي من أهداف ومكاسب؟
1- حققت أميركا الكثير من أهدافها في إخضاع أوروبا وترهيب اليابان وكوريا وحولت الجميع إلى زبائن للسلاح الأميركي وللمنتجات الاقتصادية، وخاصة الغاز والنفط، واأضعفت ألمانيا واضطرت مصانعها للانتقال إلى أميركا، كما ألزمت أوروبا تمويل الأطلسي والحرب من موازناتها ومن رفاه والأمن الاجتماعي لشعوبها.
2- في العمليات العسكرية كشفت أعطاب المؤسسة العسكرية الروسية وتخلف بنيتها الإدارية واللوجستية، واضطرت بوتين لحملات تطهير وإعادة هيكلة الجيوش الروسية وعصرنتها.
3- حققت أوكرانيا اختراقات تكتيكية واستعادت مناطق وأراض لا تزيد مساحتها عن 4000 كلم، من التي سيطرت عليها روسيا والبالغة 126000كيلومتر.
4- أهم المكاسب والتطورات التي تسجل لأوكرانيا وحلفها في الحرب نجاحاتها في التحرش بموسكو بالطائرات المسيرة واستهداف بنى تحتية، وخاصة نفطية في مقاطعات روسية على الحدود، كما زجت بقوات زعمت أنها روسية معارضة في عمليات اإغارة على بلدات روسية على الحدود.
5- كبدت القوت الأوكرانية لا سيما والميليشياوية والفيلق العالمي من المرتزقة وقوات أزوف والمجموعات النازية القوات الروسية خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، خاصة المدرعة، وأعاقت هجماتها واضطرت القيادة الروسية لتعديل تكتيكاتها والتحول إلى الدفاعية والتمترس في مناطق سيطرتها لتأمينها.
في الميزان
تميل الكفة كثيراً لصالح روسيا وتحالفاتها على مختلف الميادين والاصعدة.
في الأشهر الاخيرة نجحت روسيا في إفشال الاستعدادات للهجوم الأوكراني المضاد، وأنهت أسطورة منظومات الباتريوت، وأحالتها للتقاعد، وأنهت أسطورة ليوبارد2 وأخواتها، وكذا مع منظومات الصواريخ والطائرات المسيرة التي سلمت للأوكرانيين او عملت تحت اسمهم بإدارة الناتو وخبرائه
انتهت أي فرص وأو إمكانيات لهجوم مضاد أوكراني وتكبدت القوات الأوكرانية خسائر مهولة، ما قد يفرض على الروس أحد تكتيكين في الأسابيع المقبلة.
– شن هجوم واسع بهدف تحرير الونباس والباقي من المقاطعات الأربع، وتدمير ما بقي من بنى تحتية في الوسط وغرب أوكرانيا لفرض الاستسلام أو قبول الشروط الروسية أو فرض وقف للنار، وتسوية تقتضي تقسيم أوكرانيا والإقرار بالسيطرة الروسية الأبدية على ما سيطرت عليه من الأرض والمدن.
– الاستمرار في تكتيك الدفاع والاستنزاف واختبار السلاح والوحدات القتالية، مع زيادة مناسيب الهجمات التكتيكية لتحقيق مكاسب ميدانية وعسكرية وتحرير المزيد من المناطق التي تريدها وتعتبرها من المقطعات الأربع ذات الأصل الروسي.