
أميركا رابح خاسر..؟ سنة على العملية القيصرية من الخاصرة الاوكرانية 2/…
ميخائيل عوض
رابحون
سنعالج المعطيات والمؤشرات والأرقام والحالة التي بلغتها نتائج العملية العسكرية الخاصة الروسية في أوكرانيا، على أنها حرب شاملة، في سياق الحرب العالمية العظمى الجارية، التي لم تنقطع معاركها وامتدت وتنوعت مسارحها منذ الحرب العالمية الثانية وتتمتها الحرب الباردة، وحروب الغزو الاميركي الأطلسي لجغرافيا واقاليم العرب والمسلمين ومقاومتهم الأسطورية، التي انهكت أميركا والأطلسي، واسهمت بتوفير وانضاج شروط وظروف انتقالها إلى أوروبا في المسرح الأوكراني. وسنحاول تصنيف الدول والقوى المنخرطة والمتأثرة في الحرب على أساس، خاسر- خاسر، رابح – رابح و رابح خاسر، وخاسر رابح…
فما يظهر الآن من معطيات ليست ثابته ولا تقطع بنتائج الحرب المستمرة والمتناسلة وقد تطول وتتغير مسارحها وأدواتها لتغير معها حالة وفوائد أو مضار الدول والأمم منها ومن تطوراتها.
أميركا رابح اول- خاسر أكبر
في وضعنا الراهن وبعد مرور سنة على الحرب الأوكرانية، يمكن القول إن أميركا الرابح الأول، إلا أنها قد تصير الخاسر الأكبر مع تطور العملية وعندما تضع الحرب أوزارها.
أميركا ربحت بأن نجحت في تنفيذ استراتيجياتها واستدرجت روسيا لحرب في بيئتها التاريخية وفي أمنها القومي ومداها الجيو استراتيجي التاريخي، بل في عقر دارها، فكييف كانت تسمى أم المدن الروسية، والبلغار هم جزء أساسي من الشعب الروسي وأحد اهم مرتكزات القياصرة، بما في ذلك الاتحاد السوفيتي وإمبراطورتيه العالمية المترامية الأطراف، فإن تنجح أميركا بتأليب غالبية الأوكران على روسيا، وأن تنجح في شق الشعوب السلافية واحترابها وتشكيل قوة مجتمعية تناصب روسيا العداء التاريخي وتشق الكنيسة الارثوذكسية، وتشتبك معها وتتبنى القيم الغربية الليبرالية، يمثل نجاحاً لأميركا ومكسبا تاريخياً لا يستهان به، وسيشكل أحد محفزات وخصائص إعادة تشكل أوروبا وأوروبا الشرقية وعلاقتها بروسيا.
واميركا باستنزاف روسيا تربح بإشغالها وإضعافها، في أمنها القومي، وتشغلها عن منافسة أميركا في الشرق والعرب وأفريقيا وأميركا اللاتينية، وبحصار روسيا وإغلاق مجالاتها وتصفية علاقاتها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والقيمية مع أوروبا تحقق مكسباً تاريخياً لم يتحقق لسواها من قبل.
وتكسب أميركا اقتصادياً ومادياً بصورة نوعية من حصار روسيا، ودفع أوروبا إلى القطيعة التامة والتحرر من النفط والغاز والمواد الأولية والغذائية التي أدمنت عليها من روسيا. والقطيعة الطويلة تفرض على أوروبا إعادة هيكلة اقتصاداتها وحاجاتها وأنماط حياتها بعيداً عن مدها الطبيعي والجغرافي روسيا، وتالياً تجرد روسيا من أهم عناصر قوتها وتأثيرها في أوروبا وخاصة الغربية ونخبتها الانكلو ساكسونية. وعليه تبدو المصلحة الأميركية إطالة الحرب ما أمكن حتى يتسنى لها ترسيخ القطيعة مع روسيا وتحرير أوروبا من اي حاجة للعلاقة بها.
أميركا في التحرش بروسيا ومجاوزة الخطوط الحمر واستدراج روسيا للحرب في أوكرانيا ومع أوروبا ربحت وتربح الوقت والفرص والإمكانات، وتطور قطاعاتها الاقتصادية لاحتواء ازماتها وتأجيل إنهيار نموذجها الاقتصادي الليبرالي، الذي اتضحت معالم إنهياره في أزمة ال 2008، وتعددت الآراء والدراسات التي توقعت أن تعصف به الزلازل 2022، فنجحت أميركا في الاستثمار بالحرب لترميم وتنشيط قطاع النفط والغاز الصخري وألزمت أوروبا بأن تكون زبونها الأول، وأن تشتري الغاز الأميركي بخمسة أضعاف سعر الغاز الروسي، كما صرح ماكرون رئيس فرنسا وصرح كثيراً من نواب وقادة أوروبا، ونشطت صناعة المشتقات واساطيل النقل الاميركية إلى أوروبا، وربحت أميركا وتربح من إلزام أوروبا بالتخلي عن أسلحتها وتقديمها مجاناً لأوكرانيا، بينما هي تمول الحرب وتسجلها ديون على الأوكران. وألزمت أوروبا بإفراغ مخازنها من الذخائر والأسلحة واستنزاف روسيا بها بمقابل تشغيل مصانع السلاح والذخائر الأميركي لتعويض أوروبا، وبذلك تنهي أي احتمال لتنافس أوروبي- أميركي في أسواق السلاح، ونجحت بتحويل أوروبا إلى مشتر للسلاح الأميركي وعاجزة عن اللحاق بركب الصناعات العسكرية، وربحت أميركا اقتصادياً بان دفعت الشركات والمصانع الأوروبية، وخاصة الألمانية ورؤوس الأموال والتوظيفات للهجرة من أوروبا إلى أميركا لتوفر الطاقة وحواملها بأسعار أرخص من أوروبا، وتوفر الأسواق وأميركا ترغب بالتحرر من المنتجات الصينية وإعادة توطين الصناعات خاصة الأوروبية فيها، وبذلك كسرت شوكة ألمانيا واعجزتها من أن تحاول قيادة أوروبا للفكاك عن اميركا.
ربحت أميركا كثيراً من الحرب واخضعت أوروبا وهمشتها اقتصادياً وحولتها إلى جمهوريات موز تحت السيطرة الأميركية وتحت التبعية السياسية والاقتصادية والثقافية والقيمية، والأمنية والعسكرية، وحققت مكاسب بأن أعادت صياغة تحالفاتها وجعلت من حلفائها مجرد منفذي أوامر وطالبي سلاح وحماية ومؤن وبالسعر الذي تقرره أميركا، ومنعت أوروبا من أن تتحول إلى حليف مضارب أو محاصص، وقد سبق أن أعطت مؤشرات على هدفها هذا عندما انتزعت من فرنسا عقد الغواصات مع أستراليا وعقد الطائرات مع سويسرا، وهدد بايدن بتفجير خط ستريم 2 ونفذ تهديده ووعده.
استثمرت أميركا في الحرب وعومت وضعها الاقتصادي واجلت موعد انكشافها وانهيار نموذجها. وبذلك نجح لوبي العولمة في تهميش ظاهرة ترامب وإلحاق هزيمة بتياره في الانتخابات النصفية، وبتحضير بايدن للترشح لولاية ثانية فجاوزت خطر الانقسامات العامودية في مجتمعها والتوترات الاجتماعية التي كانت مؤشراتها ونذرها بادية للعيان عشية الانتخابات الرئاسية التي جاءت ببايدن رئيساً بشبهة انقلاب وتزوير…
هكذا يمكن رصد الكثير من المكاسب والأرباح التي حققتها أميركا في سنة من الحرب الأوكرانية، ولهذا هي تريد إطالتها وتمنع زيلينسكي من الدخول بمفاوضات والاستجابة لشروط بوتين لوقف الحرب.
إلا أن كل هذه الأرباح والمكاسب العظيمة، المباشرة والموقتة مهددة بأن تذوب كجبل ملح، والمرتبط بنتائج الحرب عندما تضع أوزارها وإن طال زمنها.
بمقابل الأرباح هناك خسائر فادحة لا تعوض ومؤسسة في مستقبل اميركا ومكانتها، فقد خسرت اميركا قوة نموذجها، وانكشفت عدوانية، ومنتج للجراثيم وابتلاء الإنسانية بالجوائح والأمراض، وأنها ليست حليفاً بل تفرض نفسها على حلفائها بعنجهية وبلطجة، ولا تقيم حسابا لأحد، وقد حولت أوروبا لمستعمرة من العالم الثالث، وانكشفت أميركا على تراجع حدي في مكانتها العالمية ونفوذها وتفردها، فقد تمردت أكثرية دول العالم واوزنها على العقوبات ورفضت الانخراط بحروب حصار روسيا، واتضحت حقائق أن أميركا لم تعد تقوى إلا على حلفائها الأوروبيين والواقعين تحت هيمنتها وحمايتها المباشرة، في حين تمردت السعودية والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل وغالبية أميركا الجنوبية واللاتينية والصين وآسيا، وتعرف العالم ودوله واهتدوا إلى آليات تبادل اقتصادية وتفاعلات مالية من خارج الدولار، وتكرست منظومات التبادلات بالعملات الوطنية وبالسويفت الروسي ومنظومة مير والسوفيت الصيني، وتحررت أكثر من نصف التبادلات التجارية العالمية من سطوة الدولار والحبل على الجرار. فالاضطهاد الحاد والعلني لأوروبا وشعوبها وسلبها حريتها في التعاملات التجارية المفيدة مع روسيا بدا يؤلب الراي العام العالمي والأوروبي ضد أميركا والنخب السياسية التي انتدبتها لحكم الدول والتحكم بها، وتشهد أوروبا مؤشرات وإرهاصات لاضطرابات اجتماعية وسياسية قد تعصف بتلك النخب، وتالياً إفقاد أميركا لأدواتها في تطويع وإذلال الشعوب الأوروبية واستعبادها بصلافة.
إذن
حتى اللحظة أميركا رابح أكبر، وقد تصير بعد حين خاسر أعظم.
ومن غير المستبعد أن تلعب دوراً في تفجير حرب ونقل المسىرح إلى شرق آسيا وبحر الصين، فالدولة التي نشأت على الحروب والإبادة واستمرت وتعملق دورها بالحروب، فقد افتعلت أو خاضت أو شاركت في أكثر من 200 حرب وبؤرة توتر في العالم، افتعلتها وتسببت واستثمرت، بها فمن شب على شيء شاب عليه، ولن تتخلى عن مكانتها ودورها بسهولة وسلاسة. وما دامت تعيش وتحل أزماتها بالحروب فهي مستمرة، وكما أسقطت حليفها أوروبا بالحرب قد تفعلها مع اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا وكندا، ولهذا فكت بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي وبدأت بإعداد حلف ماركوس وحض اليابان وكوريا على التسلح، وترسل أساطيلها وأسلحتها وتحشد في بحر الصين والكاريبي…
غداً عن الرابحون الآخرون
…/ يتبع