
“يانال” فيلم من واقع مرّ إلى أمل بإنتاجات لبنانية عميقة
شهدت “غراند سينما” في فردان تظاهرة فنية إعلامية خلال العرض الأول للفيلم اللبناني”يانال” الذي افتتح مطلع الأسبوع وهو من إنتاج المنتج اللبناني أمير فواز (فينيسيا بيكتشرز) وكتبه وأخرجه وقام ببطولته الفنان الشاب جاد أبو علي، وهي التجربة الأولى له في الإخراج. وبطولة ليليان نمري وريان حركة وتمثيل ونعمة بدوي وجان قسيس وسعد حمدان وغيرهم.
فيلم “يانال” يتناول قصة شاب طموح، ينشغل بمرضه النادر، والذي يجعله يعاني الأمرّين في علاج نفسه في ظل أزمة فقدان الدواء وانقطاع الكهرباء… ثم تظهر في حياته قصة حب! وهنا، تتغيّر سيرة حياته، وتتعقّد أموره…
“يانال” قد تكون تسمية جديدة لشاب يتيم الأبوين “جاد أبو علي” يسعى ليكون طموحا في الحياة، يجول البلاد بسيارة الأجرة التي يملكها، وأقصى أهدافه أن يشفى من مرض أصاب جلد منذ الطفولة، والمثابرة على العلاج تمنع انتشاره في جسمه، يتميز يزرقة العينين وجمال النظرة، ومع انتشار جائحة كورونا، تتغير حياته ليصبح أكثر راحة بالتنقل مع كمامته من دون استغراب المجتمع، إلا أن الأزمة الحياتية تؤثر عليه بشكل مباشر، فهو يحتاج للثلج ليبرد حرارة جسد من جراء المرض ويحتاج للانتظام بتناول الدواء، إلا أن جشع تجار الموت يحول دون ذلك.
وبين المصاعب والمآسي يظهر نور لحب يولد من نظرة ولقاءات تجعله يحلم بالشفاء، على الرغم من فقره المدقع وثراء الحبيبة الفاحش، هالا “ريان حركة” الشابة التي ستصبح طبيبة لم تنظر الفروقات لأنها مغرمة بعيون حلمت بها وعشقتها من تحت القناع فأقتنعت واقنعت من تحب بالسعادة… لكن السعادة لا تكتمل مع الطمع والمآسي الذي يزيد من مرض “يانال” ليقتل الحب.
لكن وجود دهب “ليليان نمري” في حياة الشاب تغيير مسار الدراما السينمائية، وهي الصديقة التي تعرف كل الاسرار ولعلها السند الذي يبقيه في حالة الامل، وهي التي تحمل الأوراق لتقلب مسار الأحداث رأساً على عقب، متخطية القوانين التي لا تسير إلا على على من يخافها.
الأحداث تتسارع حين يدرك يانال أن مرضه ينتشر في جسمه وسيصل الى عينيه وأنه لن يستطيع المقاومة ما لم يجد العلاج ويواظب على تبريد جسمه بالثلج، لكن الكهرباء مقطوعة وارتفع سعر الثلج في الأسواق بشكل جنوني والدواء مخفي ولا يتوافر مهما دفع ثمناً له. في ظل كل ما يحصل معه، وعلى الرغم من عشقه لفتاته إلا أنه يتخذ قراراً صادماً.
يانال ينتحر أمام المستشفى من دون حمل أوراقه الثبوتية، فيقيّدد “شاب مجهول الهوية” وفي المقابل تسلمت “دهب” رسالة يانال التي يوصي بها بوهب اعضاءه السليمة لمن يحتاج ومن ضمنها عيونه، وركز في وصيته بأن الشخص الذي يأخذ عيونه يجب أن يحمل صفات تشبهه.
ومن هنا تبدأ رحلة “دهب” بالبحث عن شبيه لعيون يانال ليتمكن من استلام حياته بدلاً عنه، ويكون الشخص شاب ضرير يدعى موسى “جاد أبو علي” ليؤدي دوراً إضافياً غاية في الاتقان، ليكسب عملية ويعود نظره إليه، وتطبق دهب الوصية بتدريبه على أن يصير يانال، وبأسلوب كوميدي خفيف الظل لا يخلو من الواقع الكوميديا السوداء، إلا أن كل ما يمر من احداث متسارعة تظهر الخير المراد من تخطي بعض القوانين وحواجز المجتمع.
“يانال” فيلم يمكن وصف انتاجه بالجودة العالية لما فيه من تفاصيل دقيقة تعبّر عن واقع مأساوي يعيشه كل لبناني ومعاناة لا تتوقف. أما النص فهو انسيابي ينطلق من بطء الفكرة لتتسارع الأحداث الغير متوقعة غامضة ليكون في الخاتمة تفسير لسياق الأحداث.
العرض
حضر العرض الأول أكثر من ستمائة شخصية فنية وإعلامية ونقابية، حيث حضر نقيب الفنانين اللبنانيين، ونقيب الموسيقيين ومحترفي الغناء في لبنان. بالإضافة الى حشد من الصحافيين والنقاد الفنيين وممثلي المحطات التلفزيونية اللبنانية والعربية، والمواقع الألكترونية.
رعى الافتتاح وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى وحضره تشجيعاً للإنتاج اللبناني، وألقى كلمة ذات رسائل ثقافية موجهة.
قبل البدء بالعرض، قدّم الزميل الدكتور جمال فيّاض وزير الثقافة محمد وسام المرتضى، ورحّب به شاكراً له رعايته وحضوره للعرض الخاص للفيلم، وألقى الوزير المرتضى كلمة جاء فيها:
يا أحبّة
ليسَ شيء أدعى للحَيرةِ والرويَّةِ لدى أيِّ إنسان، من حديثه في كتابٍ لم يقرأه، أو فيلمٍ لم يشاهدْه، أو موضوعٍ لم يكنْ تناهى إليه. فالأمرُ قد يُضطَرُّه حينذاك إلى تعمُّلِ قولٍ أو تعمُّدِ تعميم، حتى ليخرجُ بالخطابِ عن سَمْتِ المناسبة. لكنَّ من عادتي دائمًا أن أقبل مثلَ هذا الحرج، متحدِّيًا فيه نفسي أولًا، لا سيّما متى كانت الدعوةُ صادرةً من أصدقاء كما هي الحالةُ في هذا اللقاء.
على أن الفيلم الذي سنطلقُ الليلة عرضَه الأول، كما يبدو من النبذة الإعلانية التي تروج له، يتناولُ هو أيضًا قضية التحدي: تحدي الوباء بالحرية، والضائقةِ المعيشية بالحب، والسرِّ بالأمانةِ، والواقع بالخيال، حتى انتصار الحب أو هزيمته في آخر المطاف، لا أعلم، فهذا ما ستكشفه الخاتمة. لكنَّ أسئلةً كثيرةً تتبادرُ إلى الأذهان، أولها: من أين يأتي هذا الإصرار اللبناني على الإبداع برغم جميع الظروف الخاصة والعامة المانعة، أو المثبِّطة في أحسن الأحوال؟؟ وكيف تظلُّ الثقافةُ، والفنُّ السابع تخصيصًا، عنوانًا دائمًا لِبثِّ الوعيِ في عقول الناس حول المسائل الاجتماعية والوطنية والإنسانية الشائكة؟؟ وماذا علينا أن نعمل لنرتقي بالعمل السينمائي اللبناني إلى مراتبَ أعلى فأعلى، حتى التألق العالمي؟ وما دورُ المبدعين من ممثلين ومخرجين ومصورين، وكتابٍ وسواهم في ذلك؟؟
أنا بالطبع لن أجيب على هذه الأسئلة. فالأمرُ بحاجةٍ إلى دراساتٍ معمقة لا يستوعبُها خطاب قصير. لكنْ حسبي أن أؤكّد أن وزارة الثقافة الواعية لمسؤوليتِها في حِفظِ الحرية ومواكبة الإبداع وتشجيع المبدعين، مؤمنةٌ بأن مرتكز النجاح الأول في الفن، هو أن يكون معبرًا عن الهوية، فينطقَ بلسان الشعب في مواجهة واقعه وبناء مستقبله، على أساس القيم التي راكمها عبر العصور. وأما المرتكزُ الثاني فهو أن يمارس الفن دور الناقد والمصحح للمسارات الخاطئة في السياسة العامة كما في فهم العادات والتقاليد وتطبيقِها. وأما رأسُ النجاح، فعندما يتحرر الإبداعُ من كلِّ مكبِّلات الشكل والمضمون، وينطلقُ في فضاء الحرية كما النّسور صوبَ القمم، لكي يبتني في المجهول عوالم جديدةً يوقِّعُ خرائطَها بحبر هويَّتِه وقيمِه غيرِ المستعارَةِ من أحد.
ويبقى سؤال تقليديٌّ ينصبُ، منذ خمسة وسبعين عامًا، علامةَ استفهامِه أمام أعيننا وأعين الأجيال التي سبقتنا وهو: هل يجوزُ أخلاقيًّا أن نفرحَ بمشاهدة الكوميديا ونضحك فيها، والحربُ دائرةٌ حولَنا وعندَ حدودِنا؟؟ جوابي الأكيد نعم. فأعداءُ الإنسانية الذي يمعنون قتلًا وتدميرًا، ومجازرَ إبادات، يريدون لنا أن ننصرفَ عن غدِنا وأن نتلهّى فقط بأوجاع يومنا وجراحه العميقة. لكننا شعبٌ، نواجهُ الحياةَ القاسية بفرحِ الإبداع، كما يواجهُ المقاومون الموتَ بفرحِ الشهادة، عارفين أن النصرَ سيكون في النهاية للحق الذي هو إلى جانبِنا، أو نحن إلى جانبه، وأن الباطل دائمًا إلى زوال، طال الزمانُ أو قصر.
وأختم كلامي بتهنئة جميع القائمين على هذا العمل، من أوله إلى آخره، واشد على أيديهم وأتمنى لهم التوفيق والنجاح فيه، وفي كل أعمالهم الآتية إن شاء الله.
عشتم وعاش لبنان.
فواز
ثم ألقى المنتج أمير فواز كلمة شكر فيها الوزير لرعايته وحضوره، وشكر الإعلام والصحافة وجاء فيها :
معالي وزير الثقافة الأستاذ محمد وسام المرتضى راعي هذا الإحتفال،
السادة الحضور من فنانين وإعلاميين وعاملين في القطاع الفني السينمائي والدرامي،
الأصدقاء الشخصيات الإجتماعية التي تشجعنا في خطواتنا الفنية باستمرار
شكراً، لحضوركم، ولمشاركتكم في هذا الإحتفال بولادة أحد أعمال شركة فينيسيا بيكتشرز / فيلم يانال ؟
شكراً معالي الوزير محمد وسام المرتضى، لتشجيع كل عمل فني وثقافي لبناني، بكافة الوسائل المتاحة لكم، رغم صعوبة الظروف التي نعرفها معاً ..
ورغم صعوبة الظروف، نحن نصرّ على العمل، على الإجتهاد لإبقاء لبنان في صدارة الواجهة الفنية والثقافية، العربية والعالمية.
إن حضوركم يا معالي الوزير بالنسبة إلينا، سند، ودعم وتكريم لنا … فشركتنا، التي هي إستمرار لجهود الجد في عالم السينما (شركة فواز إخوان) تعود للمشاركة في تقديم لبنان الفن والحضارة والثقافة، وستكون أقوى، بدعمكم ودعم الإعلام والصحافة ، التي كانت وما زالت تدعمنا نحن الذين نراهن بإنتاجنا السينمائي والدرامي، على أن لبنان ، هو أحد أوائل الرواد في هذا الشرق… الشرق المُتعب بالمشاكل والأزمات … والمصرّ على الإستمرار والقيامة من كل هذه الأزمات …
شرفتونا جميعاً بحضوركم، وأرجو أن نكون على قدر ثقتكم، وأن نستمر ..
إدعمونا يا معالي الوزير، ويا حضرات السادة الإعلاميين، فنحن واجهة لبنان، وهذا القطاع هو أحد أبرز وسائل الدعم للبنان، المالية والمعنوية والثقافية والفنية …
شكراً لكم، وأتمنى لكم مشاهدة ممتعة في فيلم “يانال” الذي أشكر كل فنان ساهم في إنتاج هذا العمل الجميل، بدءاً من مخرجه وكاتبه الفنان جاد أبو علي، والأسرة الرائعة من النجوم، وحتى آخر عامل تقني فيه …
والحكم … بعد المشاهدة !!
(بس ما تقسو علينا كتير ) …
ثم بدأ عرض الفيلم، حيث أبدى أغلب الحاضرين إعجابهم بالفيلم والقصة المميزة، وبأداء الممثلين الشباب فيه.