حرب التجويع: هل وفرت ظروف التتبيع والتطبيع؟
ماذا عن استراتيجية الصبر والبصيرة؟
ميخائيل عوض
هل الترسيم تطبيع، ام لا؟ في الحقيقة هو ليس نموذج التطبيع المعروف إلا أنه قد يصير مقدمة للتطبيع، والأصح بأحكام التجربة المعاشة تسميته تتبيعا والمطبعون يتحولون إلى تابعين يخدمون المتبوع، وهذه تجربة سلطة أبو مازن واوسلو ومصر والخليج والأردن ولبنان 17 أيار وتوابع العدو وعملائه وكيف تعامل ويتعامل معهم.
الترسيم في واقعه اللبناني نعم هو أقرب إلى التتبيع أو أقله مدخل إليه، وبكل حال إطلاق يد إسرائيل في الاستثمار بينما لبنان إلى الاستعصاء، وربما الانفجار والفوضى بحسب إعلان باربرا معاون وزير الخارجية الأميركية، فأين الفائدة المرجوة؟ ومتى يستفيد لبنان في استثمار الثروات لمنع الانهيار والفوضى؟؟
بعد الترسيم البحري والتفاهمات على توزيع الحصص في الحقول المشتركة، لا تعود إسرائيل عدوا طامعا ومعتديا على الحقوق والسيادة والقرار وتفرض عبر أميركا والاطلسي الحصار ومنع الاستثمار بالثروات في البحر، بل وحتى قبول هبة إيرانية وعدم تيسير استجرار الغاز والكهرباء من مصر والأردن… وتلويح الحكومة برفع سعر ربطة الخبز إلى 50 ألف ليرة والسرفيس 80 ألف ووقف تمويل صندوق النقد لتأمين القمح، فهل هذه على علاقة بالترسيم وبتحذير باربرا؟
في لبنان ليس من يرفض التتبيع إلا المقاومة وحلفها وغالبية من في السلطة ينشدونه ويستعجلونه، وقد تطوعوا منذ زمن لاسترضاء إسرائيل وأميركا لحماية أنفسهم واموالهم المنهوبة من لبنان وشعبه، بل وهم مساهمون في تخليق ظروف تفرض التتبيع عبر التجويع وكلهم شركاء في مؤامرة التجويع التي ما زالت جارية وبشدة.
هل رضخت المقاومة وقبلت الترسيم بما قررته الدولة اللبنانية، والكلام لسيد الكلام ولقادة حزب الله يعلنون ان لأميركا اختراقات واسعة في الدولة اللبنانية.
الدولة وأجهزتها المخروقة حتى العظم من اميركا، وأميركا تحمي إسرائيل وحلفائها وتفرض ترسيما على الحد الأدنى اللبناني لخدمة إسرائيل بما في ذلك ضماناتها التي وصفها السيد نصرالله بوضوح قاطع، واميركا وحلفها تعلن الحرب على المقاومة ومارست كل ما استطاعت للتجويع والإفقار، طمعا بتأليب القاعدة الاجتماعية للمقاومة عليها وتجفيف الأموال لخنقها.
السؤال؛ لو لم يصل شعب لبنان الى حافة الجوع والفوضى المتوحشة؟ هل كانت المقاومة قبلت بترسيم يشرع التتبيع؟ بالتزامها ما تقرره الدولة، التي تقودها شيا وليس في لبنان اليوم دولة سيدة ومستقلة إنما وهم دولة وطيفها.
هل أقرت المقاومة بلا جدوى السلاح ما دام الناس يجوعون فتحولت وظيفته إلى تأمين المخارج عبر توفير شروط تمرير الترسيم، و المعطيات والوقائع تؤكد أن الترسيم انتقص من حقوق لبنان البحرية ومن الثروات؟
لو لم يكن اللبنانيون بلغوا الحاجة للغذاء والدواء والتعليم والطبابة والنور هل كانت المقاومة لتقبل؟
أسئلة مشروعة ويجري تسويقها بحثا عن الحقائق عند البعض وتشهيرا وتشكيكا وطعنا بالمقاومة عند الكثيرين.
والشيء بالشيء يذكر، فما سر التطاول الإسرائيلي على سورية ومجاوزة كل قواعد اللعبة والخطوط الحمر والاعتداء على السيادة والبنى المدنية وهل للتجويع وما هي عليه أحوال السورين من أزمات تتفاقم بلا أفق او أمل بمخارج قريباً سبباً بعدم الرد السوري وبقبول الإعتداءات والتعايش معها؟
وفي السوق السياسية الإعلامية كلام كثير عن أن أشهر قصيرة تفصل المنطقة عن صفقة يتم بموجبها تسوية للجولان ومزارع شبعا، وتكريس وجود الكيان والاعتراف به والتعامل معه كانه امر طبيعي؟
فهل حرب ال12 سنة في سورية وما تسببت به من دمار وتهجير وأزمات اقتصادية واجتماعية لا قدرة على احتوائها ومعالجتها، فعلت فعلها وبدأت تؤهل سورية الشعب والدولة لقبول التصالح مع إسرائيل وتطبيع العلاقة معها؟.
الشائعات تتناسل عن قرب انجاز صفقة تؤمن إسرائيل وتنتزع الاعتراف بها علنا او مداورة من محور المقاومة وفصائله خاصة سورية ولبنان، وإيران مع مؤشرات تحييد حماس بذريعة وقف التجويع وتأمين غزة وإعادة الإعمار وتشغيل الفلسطينيين في إسرائيل وببناء المستوطنات.
وماذا عن إيران التي تأخرت كثيراً عن تفعيل دورها وقدراتها التي طالما تغنت بها وبصناعتها للسلاح النوعي والمتفوق، وقد دنت فترة انشغال إيران وقيادتها بمواجهة حروب الحصار والتجويع وادخالها في مرحلة الفوضى والتوترات الداخلية، وتشغيلها بمهمة إطعام الإيرانيين والنهوض بهم وتتحول إلى اولوياتها بما يتوجب من انكفاء عن اسناد المقاومات وتعظيم قدراتها بانتظار اليوم الموعود للصلاة في القدس وبالمسجد الأقصى الذي تنتهك قدسيته في كل يوم دون ان يتحرك احد للدفاع عنه باستثناء المرابطين من فلسطيني الضفة وال48، ويتركون في العراء لمواجهة الموت والسجن وتدمير البيوت في هجمة إسرائيلية همجية بالتعاون مع سلطة أبو مازن وبظل صمت عربي وإسلامي وعالمي رهيب وانشغال محور المقاومة وفصائله بتامين القوت ومحاولات منع والجوع…
السؤال عن العلاقة ببن حرب التجويع وما يجري في مختلف الساحات والمسارح التي هي على صلة بمحور المقاومة وبمهمة التحرير والزحف إلى القدس، واهلانشغال عنها بذريعة الاطعام والتأمين من الجوع وتجرع كأس السم بقبول الترسيم الاقرب إلى التتبيع وتمرير الصفقات والتصفية وترك إسرائيل تبطش بمقاومي الضفة وال48 وتدنيس الأقصى والمقدسات..
يبقى السؤال الاهم هل بدأت فصائل ومحور المقاومة بالتخلي عن هدف التحرير وإزالة إسرائيل واستئصال الغدة السرطانية تحت ضغوط التدمير والحصار والتجويع ، وهل تنجح أميركا وحلفها بتحقيق مكاسب تاريخية بحروب التجويع، حيث فشلت وهزمت في الحروب الأخرى…
عين المنطق والرغبوية تنفي ما تقدم وتقرأ بقبول الترسيم والانضباط بما تقرره الدولة التي تقودها شيا من رأسها وحتى اخمصها ،يمكن أن يكون تكتيكا تفاوضيا تتحقق غاياته ان رفضت إسرائيل الاتفاقات او مارست حكومة نتنياهو افعال التعطيل والانسحاب منها فتبرر للمقاومة ومحورها اي عمل عسكري بعد استنفاذ الوسائل السلمية والدبلوماسية فلا يعود من مخرج إلا الكي…
هذه نقطة جوهرية لا يمكن إدارة الضهر لها وهي تتفاعل مع الصمت السوري عن الإعتداء الإسرائيلي كي لا يستدرج المحور إلى حرب قبل الموعد الذي ضربه لنفسه لاستكمال الإجراءات والمستلزمات الجاري توفيرها.
الحق أن الصراع العربي الإسرائيلي استنفذ كل واي من الوقت المتاح واستهلك كل المبادرات والاقتراحات واختبرت كل الوسائل والطرق والحلول وبلغت الامور لحظة المفترق الحاسم؛ فإما يذهب الى تصفية القضية الفلسطينية وتكريس إسرائيل دولة طبيعة تخترق نسيج الاقليم والعرب وتهيمن، او تنفجر الحرب ولا يعود لإسرائيل من مكان او امكانية للبقاء..
ما هو جار يخدم بكلا الاتجاهين ويقرا لصالح اي من الخيارين، أما الزمن والجغرافية فلهم كلمة الفصل، وفاعلية الأزمنة وحاجات التطور ستفرض نفسها، فإما تتقدم إسرائيل على رغم ما تعانيه وتقدمها على حساب إنهيار وتفكك وانشغال محور المقاومة أو يتقدم المحور على جثة اسرائيل وحلفائها ولم يعد من امكانية لاختبار تسويات وتفاهمات ولم يعد من مكان او فرص لاستراتيجية الصبر والبصيرة…
فالعدو يعمل بقاعدة الامام علي؛ اذا هبت شيء فقع فيه، وما غزي قوم قط في ديارهم إلا ذلوا…
فمن أين ومن ابتدع استراتيجية الصبر وبأية بصيرة؟ وماذا عن دروس الازمة السورية، وادخال ايران في حقبة الارتباك والقتال في قلعتها وليس في الحصون او قلاع العدو؟؟..
الجوع جار والتطبيع جار…. وقد حان وقت الامتحان حيث يكرم المرء او يهان.