
يا رمضان
بقلم الدكتور محمد العريس
رمضان يا رمضان! شهر التوبة والغفران، شهر نزول القرآن، شهر العفو عن الإنسان بقدرة الكريم المنّان.
وإذا كان اشتقاق [رمضان] من الرمض، وهو شدّة وقعْ الشمس، فمعنى ذلك تخلفه من عطش في الإنسان وجوع في الأبدان ولكنه سرعان ما يمحى ساعة الإفطار، ويحّل محله الأجر والثواب المدرار… إنها تجارة مع الباري عزّ وجل، رأسمالها قليل ومردودها وفير ثقيل، طاعة وعمل نابعة من النفس، لقاء ربح وفير يرتفع إلى سدّة النفيس.
في رمضان يشعر المرء بقيمة الوقت وأهمية الزمن في حياته. إنها تتمثل في العدّ والاحصاء: عدّ الأيام واحتساب الساعات؛ يصدقه قوله تعالى: {أياماً معدودات} [سورة البقرة، الآية 184]. غايته الوصول إلى المنتهى، حيث تنتظره جائزة الفوز وما إليه المشتهى. وتتكلل الخاتمة – بعد الأجر والثواب – بالعيد، وهو مآل العمل بما يمليه في الإنسان من المسرات، يشعر بها الصائم بكل تأكيد.
وفي موسم رمضان، تدخل الفرحة إلى قلوب الصغار والكبار. تتجلى الفرحة عن الصغار بالأهازيج التي يرددونها على نحو: “رمضان يا رمضان شهر الخير والإحسان!!…” وهل منطوق الكلمة إلا تعبير عما يختزن في الجنان، وما يدور في الأذهان، فيلتلفظ به اللسان؟!
ولم يكن التاريخ بأحداثه قصياً عن رمضان، بل عرف فيه صولات وجولات كان لها الأثر البيّن في حياة العرب والمسلمين، فيه كانت “غزوة بدر الكبرى” وما عكست من واقع عربي إسلامي على سير التاريخ العربي.
ورفدت غزوة بدر الكبرى (2هجرية)، و”فتح مكة” (8 هجرية) وكلتاهما أملت تاريخاً إسلامياً جديداً، وكانتا مفترقاً في سير الأحداث العربية.
ويوازر التاريخ الدرس المالي والحساب العددي. فيه شرّعت زكاة الفطرن الذي يعمل الإنسان على احتسابها، وهي – بفقهها- طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، وإغناء لهم عن ذُلّ الحاجة والسؤال في يوم العيد. ويواكب ذلك الحث المالي الإسلامي، زكاة الأموال النقدية وأموال التجارة على كافة أشكالها، والتي تستحب أن يخرجها الإنسان في شهر رمضان، مضاعفة للأجر والمثوبة والإحسان.
وفي تضاعيف شهر رمضان يقوم الدرس الرياضي: جسدياً وروحياً. إنه يتمثل في صلاة التراويح، التي لم تكن في غيره. يشعر المؤمن الصائم معها بالترويح عن النفس، بخشوعه وعبادته ووقوفه بين يدي خالقه، فضلاً عن إزالة ما اتخم فيه من طعام الإفطار، جرّاء ما يمارسه من حركات تتمثل بكثرة الوقوف والركوع والسجود، والقيام والقعود….
رياضة لا توفرها أي من الأندية، القيام بها مجانياً، ومردودها ثمراً جنياً. ويرفد هذا وذاك درس الأدب الرفيع، الذي لا توفرها أي كليّة. إنه الترفع عن اللغط في الكلام، وغليظ القول في الرد على الاستفهام. فهل يرد بالشتيمة على الشتائم؟ أم يكتفى بالقول: إني صائم؟!. وفوق كل ذلك، تحفظ الفروج، وتغض الأبصار، وتصرف عن الموبقات بصالح الأعمال وألطف الأقوال.
هكذا يكون رمضان جامعاً لكلّ الدروس، ومهذباً لكل النفوس، العمل فيه يطيب، والدعاء فيه لا يخيب، والصائم له من المغفرة والأجر أكبر نصيب. اللهم بارك لنا في رمضان، وأعنا فيه على طاعتك يا حنّان يا منّان!!
شهر البركة والإحسان.. الله آمين.
رمضان كريم، وكل عام وانتم بخير