بحث معمق: فلسطين في انتفاضة ثالثة مسلحة لا سبيل لها إلا النصر والتحرير 5/…
في عناصر قوة محور المقاومة وتصاعدها
ميخائيل عوض
شكلت حرب تشرين 1973 حدثاً فاصلاً أسس لما بعده من التأسيس لإطلاق خيار المقاومة، وحفزت على الفعل المقاوم وجدوى الصمود، فقدمت الحرب العرب، بأنهم قادرون ولهم رجال وعقول، وإذا توحدوا بالحد الأدنى فهم قادرون على اشتقاق المعجزات، فلم تنجلِ سنوات خمس على هزيمة 67 حتى نجح الجيشان السوري والمصري في هضم تقانة وتكنولوجيا السلاح الحديث، وحدثوا بنية جيوشهم وأبدعت عقول عسكريهم بالتخطيط الاستراتيجي والمناورة والتضليل، وابتداع وسائل لاختراق أكبر حاجز ماي” قناة السويس” وعبوره وإسقاط أهم خط دفاع وحصون لم يسبق لها مثيلاً، وسيطر الجيش المصري على خط بارليف بسرعة ويسر وبلغت دبابات الجيش العربي السوري بحيرة طبريا، كما أفلح سلاح لدفاع الجوي في الجيشين بشل الطيران الإسرائيلي وإقعاده عن المعركة ودمرت ألوية المدرعات الحديثة بصاروخ الـ “B7″، والمالودكا، وقصف الطيران السوري مصفاة حيفا ومواقع حصينة، كما حققت القوات المحمولة والمظليين مكاسب نوعية في جبل الشيخ، فعرت حرب تشرين الجيش الإسرائيلي وأسقطت الحملة التي صورته جيش لا يقهر، وكشفت الحرب عجز إسرائيل عن حماية نفسها، وأن الأطلسي والأميركي يقاتل معها وعنها بأسلحته ومعداته المأهولة التي زج بها في الحرب عبر جسر جوي وبالأطقم المقاتلة.
لو لم تقع الخيانة ويوقف الرئيس السادات الحرب على الجبهة المصرية، ويترك الجيش السوري منفرداً على غير ما تم التخطيط له لكانت فلسطين حرة وعربية سيدة، إلا أن أفعال الخيانة والغدر أعجزت سورية والعرب عن إتمام الحرب لبلوغ أهدافها ونهاياته.
اندفع السادات من دون هوادة إلى خيار الخيانة والتفريط ووقعت مصر اتفاق كامب ديفيد، وخرجت من دائرة الصراع وتوازن القوى، وانقلبت على القضية وعلى سورية وخيارها في المقاومة والصمود، فقرر الرئيس حافظ الأسد برؤيته الثاقبة استراتيجية التوازن الاستراتيجي ليس مع إسرائيل فحسب، بل ومع الأطلسي وأميركا شركائها المحاربون معها، ولأن الظروف لم تكن طوّع يده، وموازين القوى العربية والعالمية ليس في صالح العرب اتخذ خيار الممانعة والمقاومة والصمود والتصدي، وأطلق استراتيجيات تطوير وتأمين وبناء سورية وتقوية جيشها والتركيز على سلاح الدفاع الجوي وسلاح الصواريخ والأسلحة الرادعة “الكيماوي.”
سارعت أميركا وحلفها لإشعال الحرب الأهلية في لبنان لإشغال سورية في خاصرتها الرخوة، وتقاطعت الظروف والحاجات لانفجار الحرب التي شغلت سورية بإداراتها، ومنع إسرائيل من تحقيق أهدافها بإقامة سلطة موالية لها وأو بتقسيم لبنان، وعندما فشلت جهود المؤامرة بادرت إسرائيل برعاية وإدارة مباشرة لأميركا بغزو بيروت عام 1982، لطرد منظمة التحرير والجيش السوري الذي دخل لبنان لحمايته ووقف الحرب واستعادة الدولة والوحدة الوطنية وعزز الناتو الاجتياح الإسرائيلي بأن أرسل وحداته لبيروت في أول مهمة خارج نطاق مهامه ونظامه، وأرسلت أميركا أساطيلها وتحرشت بسورية التي أسقط دفاعها الجوي طائرات أميركية وأسر طيارين.
فروح المقاومة، لم تنطفئ، وبدأت العمليات على قوات الاحتلال منذ اليوم الأول لسقوط بيروت وامتدت وأجبرت إسرائيل على الانسحابات، واستهدفت عمليات استشهادية مقرات المارينز والفرنسيين والسفارة الأميركية ومقر قيادة القوات الإسرائيلية في صور، ومقر الكتائب في الأشرفية حيث قتل بشير الجميل الذي نصّب رئيساً بحماية الدبابات الإسرائيلية، واشتد عضد المقاومة وتصاعدت انجازاتها وألزمت الناتو بالفرار وإسرائيل بالانسحاب إلى الشريط المحتل من دون تحقيق أي من أهدافها وأُسقط اتفاق 17 أيار.
توفرت الظروف والشروط النموذجية لتصعيد فعل المقاومة من طراز وطابع جديد يبني على ما تحقق ويتم المسيرة، فصعد دور المقاومة الإسلامية بتمويل إيراني وتسليح وحضانة سورية إيرانية، وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وهيمنة أميركا على العالم وانتفاخ رأس إسرائيل بأوهام السيطرة والتحكم والقدرة على تصفية القضية الفلسطينية، وتحقيق حلم إسرائيل الكبرى أو العظمى والشرق الأوسط الجديد، شكلت المقاومة المتصاعد نداً، وعقدة كأداء للمطامح والمخططات والأوهام الإسرائيلية الأميركية وتمكنت المقاومة من امتلاك زمام المبادرة، وإرهاق واستنزاف الكيان وعملائه في الجنوب وإسقاط سلطة الكتائب و17 أيار بعد انتفاضة 6 شباط 1984، وتحرير مناطق واسعة من لبنان من هيمنة عملاء إسرائيل. ثم شكلت حرب نيسان 1992على أثر اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد عباس الموسوي ورد المقاومة واستهداف الجليل بالصواريخ محطة انتصارية نوعية، قيدت قدرات إسرائيل وكشفت محدوديتها، ثم جاءت حرب 1996 وتصاعد قدرات المقاومة الصاروخية، وما انتزعه الأسد المفاوض من تفاهمات تموز لتأكد أن خيار المقاومة بات فاعلاً ويمثل رد الأمة على خيار التفاوض والاستسلام والتحالف مع إسرائيل، وبات الخيار أساسياً وبديلاً عن الخيارات الأخرى، واستمر أداء المقاومة يتعمق ويتجذر ويتصاعد حتى ألزم إسرائيل في أيار 2000 بالانسحاب من لبنان تحت النار من دون قيد أو شرط ، وكسر أحد أهم قوة إسرائيل الاستراتيجية لفرض شروطها ومصالح الغرب بالاحتلال، وعلى الفور تفاعلت فلسطين مع النصر اللبناني وانتفضت في وجه تدنيس شارون للمسجد الأقصى، وتصاعدت أعمال الانتفاضة والمقاومة، وبلغت ذروتها في إلزام الإسرائيلي بالانسحاب من غزة تحت النار وبلا تفاوض وتحررت غزة، وهي جزء عزيز من فلسطين التاريخية في إثبات عملي معاش على الحق وعلى استعادته بالمقاومة، وليس بالمساومة والتنازل والتفريط.
كعادتها أميركا العدوانية والمصنعة وبصفتها روح الرأسمالية وحقبتها المتوحشة من الليبرالية لم تستسلم، ولا تعقلنت فأملت على كلب حراسة مصالحها الاستعداد والتحضير لحرب تستعيد فيها قوتها وثقتها بنفسها وثقة الغرب بها، وأمرتها وقادتها كونداليزا رايس في عدوان 2006 تموز، وأطالت الحرب وأمدت إسرائيل بجسر جوي وأكثر الذخائر تقدماً وتدميراً وحداثة، إلا أن المقاومة وشعبها وحلفها أثبتوا أن الزمن لن يعود إلى الوراء، وأن إسرائيل أعجز من أن تستعيد هيمنتها، وأنها أوهن من بيت العنكبوت، ولثلاثة وثلاثين يوماً امتدت صليات الصواريخ إلى مستوطنه دان وجبل ميرون وعمق الكيان ومدنه ومواقعه، ونجحت بحرية المقاومة بإصابة ساعر درة البحرية الإسرائيلية، وأعلنت سورية جاهزيتها لدخول الحرب إن حاولت إسرائيل التقدم عبر وادي البقاع، ونجح المقاومين بتدمير أسطورة الميركافا 4، وأسقطوها عن عرش المدرعات التي كانت توصف بأنها دبابة القرن.
في حرب تموز خسرت إسرائيل آخر أوهام عناصر قوتها الاستراتيجية بفرض شروطها بالترهيب بالحرب الخاطفة والنظيفة والصاعقة وفي أرض الخصم، وقررت المقاومة أن يدها العليا وأنها قادرة وجاهزة لإسقاط أسطورة إسرائيل القوية والقادرة، ومرة ثانية جاوبت غزة الصدى وصمدت وقصفت غلاف المستوطنات والمدن الإسرائيلية في عدوان 2008، والاعتداءات الأربع ونجحت فصائل المقاومة في 2014 بتدمير لواء جولاني في حي الشجاعية، وأسرت جنوده على رغم حصارها المديد وتدمير فرص حياة ناسها، وتمكنت غزة من مراكمة الخبرات والسلاح، وامتلكت الصواريخ الدقيقة وطويلة المدى والمسيرات، ووحدات القتال النخبوية بكامل أناقتها وجاهزيتها، وأمطرت إسرائيل وتل أبيب بالصواريخ، وأسقطت القبة الحديدية، ومقلاع داوود، وأسلحة الدفاع الجوي الإسرائيلية، وحققت المقاومة والشعب الفلسطيني قفزة نوعية في المواجهة في جولة سيف القدس العام المنصرم، وقد نهض الشعب الفلسطيني وتوحد في فلسطين الـ48 والضفة وغزة واللاجئين، في وحدة نضالية أكدت أن القضية الفلسطينية قضية وطنية وقومية لا تقبل القسمة أو التجزئة أو المساومة والتفريط، وأن خيار أوسلو والتطبيع والخيانة والتفاوض إلى مزابل التاريخ كطريق للتفريط والتصفية، أما خيار المقاومة فهو خيار التحرير والنصر يتقدم وتتعاظم قوته وقدرات محور المقاومة في كل الميادين والحروب والمسارح، وبيت قصيده وهدفه الأعلى والأوحد تحرير القدس وفلسطين من البحر إلى النهر.
يتبع…
غداً توازن القوى الاقليمي والعالمي انقلب في صالح محور المقاومة، وتتحقق فرصة التحرير وظروفه… ووعد القدس بات قريباً بل أقرب من الجفن إلى العين.