الحريري فر للنجاة وألقى كرة النار في حضن الثنائي… فماذا هم فاعلون؟

ميخائيل عوض

التحليل السياسي

لسبب يرجح أن يكون تنفيذاً لأمر ولي النعمة ولي العهد محمد بن سلمان الذي قرر عقاب سعد الحريري على أفعال غادرة، وخيانة وتآمر عليه كما تشي التسريبات، ولاستعادة أموال نهبها من السعودية ومن تعويضات الموظفين اللبنانيين والشركات التي تعاملت مع شركته المفلسة، وربما لتشليحه بعض ما نهب وحاشيته وعائلته من لبنان، أو لحدس وفطنه عنده كان يفتقد لها عندما شغل مناصب وإرثاً عن أبيه.

فراره من الحياة السياسية اللبنانية يعطيه حبل نجاة من السفينة المتسعة ثقوبها، والمتهاوية، السائرة على هواها في بحر أزمات لبنان الهائجة، فألقى بخطوته قنبلة متفجرة أخطر من متفجرة المرفأ في حضن الثنائي الشيعي وبين ذراعي حزب الله.

فقد اختصر رفيق الحريري في حياته وبوريثه بعد مماته السنية السياسية، وأقفل البيوتات التاريخية، وحرم النخب السنية من فرصها، وقنن النفوذ السعودي والخليجي بقناته وورثته، واقتصرت النيابة والوزارات والوظائف على الأزلام والمريدين بعد أن عهر الحياة السياسية وزرع سوسه إفساد الدولة، وأنشأ على هامشها مؤسسات موازية وحول مؤسساتها إلى مزرعة تحاصص في النهب والسلب وتبديد الواردات والودائع، وحقوق اللبنانيين من كل الفئات والطوائف والمناطق من دون تميز أو امتيازات.

وسار سعد على خطى أبيه الوارث لقيادة منظومة الفساد المافياوية واللصوصية غير المسبوقة في تاريخ الشعوب والدول، وظل يبتز لبنان حتى الرمق الأخير ويعطل تشكيل حكومات وانتخابات بلدية ونيابية على مزاجه ومصالحه، واستدرج الثنائي الشيعي لحمايته وتأمينه، وقد خاتلهم وخادعهم وأخذهم غدرا وبالمناورات المتقنة.

بخروج سعد والمستقبل من الحياة السياسية انكسر آخر وأقوى أعمدة النظام المفلس والمنظومة اللصوصية.

هروب الحريرية وإنهاء السنية السياسية يتقاطع مع سقوط ونهاية المارونية والمسيحية السياسية بفقدانها وزنها العددي والنوعي، وتآكلها وتناهش الباقون من زعمائها على الفتات والزعامة الخاوية والهامشية.

النظام وحمايته وتحمل تبعاته وإرثه وأزمته الكارثية اصبحت في عهدة الثنائي الشيعي وصار مضطراً أن يحمي النظام ويدافع عنه وعن فساده، وما بلغته البلاد بسببه عارياً من دون رتوش أو مضلات واقية، كان افترض أنه يجيد استخدامها ما بعد اتفاق الدوحة ليكتشف أنها هي استخدمته لتحقيق مآربها وزيادة نهبها وتحقيق مصالحها، وانفاذ أوامر وإملاءات واشنطن وحلفائها، وعندما بدأت السفينة بالغرق يفرون منها وينأون بأنفسهم عن المسؤولية ويتحررون من التركة، ويلقون الأعباء على الثنائي وقاعدته الاجتماعية التي لم تستفد من النظام، بل هي

أكبر ضحاياه وأشدهم خسارات .

سألني أحدهم ونحن في حوار عميق عن آفاق المستقبل والتحولات الجارية بعزيمة تضحيات وانتصارات محور المقاومة، وما سيكون من تحولات فرط استراتيجية لغير صالح أميركا وإسرائيل وحلفهما؛ ما السر في أن الفصائل الشيعية حققت فتوحات استراتيجية في الحروب والمعارك العسكرية وفي مختلف الجبهات، وعندما تسلمت دول ونظم قادتها إلى الإفلاس والجوع وسيادة الفساد والاستزلام، كلبنان والعراق…

أحرجني فتلعثمت بالكلمات حال أن قفزت المأثورة إلى ذهني، يختبر الرجال بثلاثة؛ السلطة والمال والنساء. فلم أكن قد تعرضت لمثله أو طرحت السؤال على تفسي، وعندما لاحظني متلعثما ضحك وقال: أنت دوماً جوابك تحت إبطك فما لك تلعثمت؟  قلت اعطني وقتاً لنتشارك في طرح السؤال على من يعنيهم الأمر، ومن هم أصحاب الحل والربط.

وما زال السؤال يكبر ويزداد خطورة وإلحاحاً بعد فرار الحريري ورمي كرة النار في حضن الثنائي… فماذا هم فاعلون؟

هل يبتلعون الطعم ويغرقون وتتبدد الانتصارات النوعية والتاريخية في أوحال الفوضى والتوحش، ويتطوعون لتحمل عبء النظام والمنظومة وارتكاباتها، ويتركونها تنفذ بما سرقت وبما فعلت…؟

هل يسوقون البلاد إلى التفكك والاحتراب الأهلي والتوحش والفوضى؟ ويستمرون غارقون في كذبة صدقوها أنهم هم أسياد النظام وحكامه؟ أم يستفيقون على الواقع المرير ويستمعون إلى صراخ الأطفال ونحيب العائلات والأباء ممن سرقت مدخراتهم وودائعهم وباتوا لا يستطيعون تأمين كلفة الغذاء والماء والكهرباء والتعليم والطبابة؟

أم يسارعون إلى تجميع القوى والكتل الحية في المجتمع وأصحاب المصلحة في التغيير واستعادة الأموال المنهوبة والمهربة؟ وكما قادوا الحقبة في المقاومة وعصر الانتصارات يقودون البلاد إلى التغيير الواجب والمستحق؟ فيسهمون بإنتاج دولة عصرية لمواطنين متساوين أحرار ونظام عادل قادر على تخليق مهام عصرية للكيان لحفظه، وتأمين البلاد والاستعداد للنهوض والمشاركة في إعادة هيكلة الشرق جغرافيا ونظم والهيكلة استوجبتها وفرضتها الانتصارات وبواكيرها الاعجازية في 2000 و2006.

هذا بيت القصيد وصلب الحديث بل وعين المهمة الواجبة الانجاز، والأجوبة عن الأسئلة المصيرية التي استعجلها هروب الحريري، فقد علمتنا التجربة أن من يتخلف عن الاستجابة لحاجات الأزمنة ومتوجباتها يطحنه الزمن وتتقدم آلياته العمياء لفرض نفسها، ولا يعود ينفع الندم.

الثنائي الشيعي، وحزب الله بعد فرار الحريري من السفينة المتهاوية أمام الاستحقاق، والسؤال الكبير إلى اين سيقودون لبنان وكيف يستثمرون بالانتصارات النوعية التي غيرت في الأحوال واتجاهات التطورات؟

فالفرص سريعة النفاذ، فكيف والمتربصين كثر، وبعض ما وصل إليه لبنان كان بفعل تآمر بمشاركة أركان المنظومة لاستهداف المقاومة والانتصارات؟ وقد أخبرتنا حقائق التجارب التاريخية ودروسها أن المقاومة التي تنتصر وتتهيب التغير وترتهب من امتلاك مشروع القيام والنهوض، تتعثر وتخسر ما صنعته بالتضحيات والدماء وإبداع المجاهدين والشهداء.

النصر في الميادين أن لم يترافق مع تأمين الناس وحفظ كراماتهم بحمايتهم بأشفار العيون، وستر أسرهم يتبدد في السياسية والمناورات والأوهام والمظاهر الخادعة.

أم أن الثنائي الشيعي يخبؤون في جعبتهم مفاجأة من العيار الثقيل يفاجؤون الجميع؟

ليتهم يقدمون معجزة في زمن اللا معجزات ويعبرون بالبلاد إلى ضفة الأمان، فيتكامل فعل المقاومة وإعجازها في الحروب مع تحقيق وعد الله، فيمن على المستضعفين في الأرض ويجعلهم أئمة ويجعلهم وارثين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى