الباخرة الإيرانية إلى لبنان… هل بدأ حزب الله مرحلة الحسم؟
إعلان السيد حسن نصر الله يمثّل نصراً لحزب الله وهزيمة إضافية لـ”إسرائيل”، ونجاحاً له في فرض معادلة اشتباك جديدة تتجاوز معادلة الاشتباك براً عبر الحدود الشمالية اللبنانية مع فلسطين المحتلة، وإنما فرضَ هذه المرة معادلةَ ردع في عرض البحر.
شكّل إعلان الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، إبحارَ سفينة إيرانية أولى محمَّلة بالمشتقّات النفطية تجاه السواحل اللبنانية، مع إطلاقه تحذيراً واضحاً وصريحاً لكلّ من الأميركيّين والاحتلال الإسرائيلي من مغبّة المساس بها؛ شكّل مفاجأة أحدثت حالة إرباكٍ كبير لعدد من الأطراف، التي تقف وراء الأزمة اللبنانية، الممتدة منذ أشهر، سياسياً واقتصادياً، بل إن جزءاً منها يشارك في هذه الحرب الاقتصادية على اللبنانيين، من أجل فرض خيارات لا تتلاءَم مع مصالحهم الوطنية.
في قراءة للموقف والتداعيات، يسجَّل لحزب الله اللبناني أنه تحلّى، على مدى الأشهر الماضية، باستراتيجية الصبر والنَّفَس الطويل، لكنّ مسار الأحداث في لبنان، داخلياً وخارجياً، منذ أسابيع قليلة، يُلاحَظ أنه بدأ يتصاعد في عدة اتجاهات، كان آخرها الخرق الإسرائيلي ومحاولة كسر قواعد الاشتباك، ثم الردّ الذي قام به حزب الله بقصف الأراضي المحتلة بعدد من الصواريخ وتثبيت المعادلة، ناهيك بتصاعُد أزمات داخلية، أبرزها أزمتا الوقود والكهرباء.
إعلان السيد حسن نصر الله يمثّل نصراً لحزب الله وهزيمة إضافية لـ”إسرائيل”، ونجاحاً له في فرض معادلة اشتباك جديدة تتجاوز معادلة الاشتباك براً عبر الحدود الشمالية اللبنانية مع فلسطين المحتلة، وإنما فرضَ هذه المرة معادلةَ ردع في عرض البحر، وهذا يُعَدّ تحدياً جديداً ينجح حزب الله في فرضه، انطلاقاً من استراتيجية القوة والندّية في التعامل مع الأحداث والمتغيّرات في الساحة اللبنانية، ويجسّد أيضاً رفضاً للحصار المفروض على لبنان، إذ إن استمرار الحصار، في شكله الحالي، هو بمثابة شكل من أشكال العدوان على الشعب اللبناني في كل أطيافه من دون استثناء.
مآلات الأحداث في لبنان تتعزَّز أكثر تجاه سيناريو “الحسم”. وما بعد الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، في ذكرى عاشوراء، ليس كما قبله، فلقد بات واضحاً أن قراراً جريئاً مدروساً اتَّخذه الحزب، وأن بداية مرحلة الحسم بدأت، فلم يعد هناك وقتٌ لكسر شوكة المقاومة في لبنان بعد استفحال الأزمة الاقتصادية الحادة، وتيقَّن حزب الله من أن أياديَ أجنبية تعبث بلبنان، على رأسها فرنسا و”إسرائيل”، إلى جانب أدوات داخلية أخرى. وبالتالي، فإن مثل هذا القرار سيقطع الطريق على كل مَن يحشد لحصار المقاومة الإسلامية اللبنانية، وتحميلها ما آلت إليه الأوضاع.
تصريحات السيد نصر الله الأخيرة تجاه الأزمة في لبنان تعني أن قواعد اللعبة تغيَّرت، ولم يعد الصمت مقبولاً أمام واقع مرير يعيشه لبنان، وأن مرحلة الصمت والدفاع انتهت، وبدأت مرحلة الحسم والجرأة والندية من جانب محور المقاومة، وأن المصادقة لحماية السفينة والدفاع عنها في حال تمّ التعرُّض لها اتُّخِذَ، وأن حزب الله جاهز لتحمُّل مسؤولية وتداعيات ذلك.
إرسال السفينة الإيرانية، التي تحمل مشتقات نفطية، إلى لبنان، ستتجاوز تداعياته البُعدَ الاقتصادي. وهي خطوة تشكّل عنواناً لمرحلة جديدة دخلها لبنان، تعكس تحالفاً وإسناداً واضحَين من محور المقاومة عبر إيران، وتجاه لبنان هذه المرة، من أجل سدّ الفراغ الذي تركته الدولة الرسمية اللبنانية، وخصوصاً مع إعلان السيد حسن نصر الله أن الحرب الاقتصادية التي يعيشها لبنان تقف وراءها أميركا و”إسرائيل”، فلا يمكن لإيران، الدولة الكبيرة والمؤثّرة ورأس هرم محور المقاومة، أن تترك لبنان يتيماً في أزمته. كما أنها لن تسمح بأيّ تهديد يزعزع الاستقرار، ويمكن أن يشكّل خسارة خاصرة سوريا العزيزة، بأي ثمن، أمام حرب اقتصادية مفتعَلة ومصطنَعة.
تُعَدّ هذه الخطوة الجريئة من جانب إيران، على الرغم من الحصار الأميركي عليها، تحدياً واضحاً لأميركا وكسراً لسياسة هيمنتها، وانتصاراً لإرادة اللبنانيين، الذين اتَّخذوا قراراً يتمثّل بالخلاص من الحصار، والتصدي للحرب الاقتصادية، أياً يكن من يقف وراءها. كما أنها تمثّل ضربة في الصميم لأدوات أميركا، من جهة أخرى.
أمّا إسرائيلياً، فالموقف مرتبك والصمت مُطْبق، إذ يأتي توقيت إرسال السفينة متزامناً مع بدء رئيس وزراء “إسرائيل” نفتالي بينيت زيارته الأولى لواشنطن. وما بين زيارة رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بينيت الأولى لواشنطن وحالة الإرباك الإسرائيلي، ستبقى الصورة ضبابية إلى حد ما، والسيناريوهات غير معلومة بشأن مستقبل مسار ما ستؤول إليه الأحداث.
ارتدادات إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله جاءت سريعاً ولم تتأخر كثيراً، فسارعت السفيرة الأميركية في لبنان، دوروثي شيا، إلى إعلان استعداد أميركا للعمل على استجلاب الطاقة الكهربائية إلى لبنان من مصر والأردن عبر سوريا، وهو ما يمكن قراءته على أنه إقرار صريح بمسؤولية أميركا و”إسرائيل” عن الأزمة الاقتصادية والحصار المفروض على لبنان، وتورّطهما فيهما. والأهم من ذلك، أن البدء بتنفيذ المقترح الأميركي الجديد يُعَد كسراً لقانون قيصر المفروض على سوريا منذ سنوات. والتحرك الأميركي في هذا التوقيت هدفه مكشوف، وهو تقويض نفوذ إيران داخل الدولة اللبنانية، وعدم إتاحة الفرصة لحزب الله في التوسع أكثر.
يشكّل قرار استجلاب الوقود الإيراني خطوة حكيمة تُحسَب لحزب الله، من حيث الهدف والتوقيت، وخصوصاً أنها تهدف إلى مساعدة اللبنانيين، والوقوف إلى جانبهم بعيداً عن أيّ اعتبارات سياسية أو طائفية، وتعكس مسؤولية عالية لقيادة المقاومة الإسلامية اللبنانية، واستشعاراً بالمسؤولية وبخطورة ما آلت إليه الأوضاع في لبنان. كما أنها تمثّل خطَّ الدفاع الأول عن لبنان، ورفض استباحته من كل الأطماع الإسرائيلية والاميركية، ناهيك بحماية المقاومة للجبهة الشمالية مع فلسطين بعد طرد “إسرائيل” من جنوبي لبنان عام 2000، وانتصارها في تموز/يوليو عام 2006، وهي تسجّل اليوم إنجازاتٍ أخرى، وتثبّت معادلات القوة والردع.
ما لم يعلن أيّ من الأطراف اعتراض الباخرة الإيرانية بصورة رسمية، فإن الأحداث والمفاجآت تبقى تنتظر المشهد اللبناني. فوصول السفينة الإيرانية إلى بيروت في الأيام المقبلة، من دون المساس بها، سيكون بمثابة ضربة استراتيجية ثانية لصورة واشنطن وهيبتها في المنطقة، بعد هزيمتها الأولى في أفغانستان، وفرار قوّاتها منها بعد احتلال دام عشرين عاماً.
أخيراً، ما دام أن للتحدي الذي أعلنه السيد حسن نصر الله رصيداً من القوة العسكرية والصواريخ، فستُهزَم أميركا، ومعها “إسرائيل”، وكل مَن يصطفّ في صفّهما، وستصل السفينة إلى مرساها بسلام.