
ومن يمن العروبة النقية والشهامة يأتيك خبر اليقين
ميخائيل عوض
اسقط المندوب الأميركي بالفيتو قراراً لمجلس الأمن لوقف النار في غزة، وتباهت أميركا بموقفها وبقيادتها لإسرائيل وحربها لتدمير وتهجير وإبادة غزة.
مازال العقل الأميركي المتعجرف يفترض نفسه سيد الكون والأمر الناهي والفاعل بما يحلو له غير آبه بما سيكون.
فرك نتنياهو يديه فرحا فما زالت أميركا الشائخة والفاقدة للقدرة على المبادرة والعاجزة عن اتخاذ قرار صائب تشد أزره وتعطيه السماح والمال والقذائف والسلاح، فحربه لتدمير غزة وتهجيرها عينها حربها لإعادة تمكنها من العرب والاقليم بوهم قدرتها على التحكم بالعالم لقرن.
أميركا وإسرائيل مضروبتان بعوارض حالة الشيخوخة ذاتها التي أصابت الامبراطوريات من قبل وتكفلت بانهيارها.
فكلاهما من طينة واحدة، وقامتا على أصل واحد وصنعتا في خدمة مصالح الشركات ورؤوس الأموال، فلا غرابة أن تتماثلان وأن تهب أميركا في محاولة لإنقاذ نموذجها المصغر ويحفزها الرهاب من أن سقوط الصغير دليل على دنو زمن سقوط وانهيار الكبير.
إسرائيل وأميركا دول مصنعة لا تعيش بلا إبادة الشعوب والأقوام صاحبة الحق القومي، وما أصاب أميركا أصاب إسرائيل، فكلتاهما فاقدتان للحيوية السياسية وتفتقد لشروط الإبداع، ومترهلتان ومحكومتان من نخبة شائخة مصابة بالزهايمر وعاجزتان ومجتمعهما تضربه الأزمات العميقة البنيوية والوجودية، فتعجزان عن إنتاج الجديد و-أو تصعيد قوى قادرة على تجديد مشروعهما وبعث الأمل بالشفاء.
محور المقاومة وأرواسيا بثنائية روسية والصين. مجتمعات حيوية، ومتوثبة، وقد نهضت وقررت دفن العالم الأنكلو- ساكسوني ومنتجاته التي انتهت صلاحياتها وانتفت وظائفها.
ومحور المقاومة فتي، وعقائدي، وصاحب قضية وحق، وقد خاض الحروب والمعارك في وجه التفرد والهيمنة والعنجهية الأميركية والإسرائيلية لخمسين سنة وأعجزهم عن تحقيق أي من أهدافهم واستنزفهم.
والحق القومي في فلسطين استمر الحافز المحوري للحرب ولنهوض المحور وتطور قدراته وامكاناته.
المحور في حرب اقليمية وواسعة وكبرى يخوضها على توقيته، وفي الجبهات والساحات التي يراها أكثر فائدة وأقل كلفة، ولديه الإمكانات والقدرة والسلاح والرؤية ويتدرج في تصعيد وتائر الاشتباك على الجبهات ويزن خطواته بميزان الذهب.
توقعت إسرائيل وأميركا التي حشدت الأساطيل والجيوش أن يكون الرد من الجنوب اللبناني، فكانت الحكمة أن يجري تشغيل جبهة الجنوب بوتائر منخفضة وتحت السيطرة وبوظيفة الإسناد والإشغال، وبالتزام أن تنتصر غزة وأن تنتصر حماس، وفي المسرحين السوري والعراقي استهداف القواعد الأميركية والحفاظ على الجولان كساحة اشتباك وسورية في حالة حرب مع إسرائيل منذ 2012.
لم يتوقع أحد أن تكون جبهة اليمن هي الأكثر أهمية وفاعلية، ولم يفترض العدو وحلفه أن يستدعى للمنازلة في مسارح البحار. وبحار الاقليم الأربعة: المتوسط والأحمر والعربي والخليج هي البحار الحاكمة في مسارات ومعابر التجارة العالمية. وإسرائيل وأميركا الدول التي صنعت لخدمة الشركات والتجار وتجار المال والسلاح لا تقوم لهما قائمة بلا السيطرة على البحار والممرات.
فتجسدت عبقرية المحور بأن اختار قتال الكبار، وفي عين مصالحهم وفي المسارح الأكثر أذية لهم.
اليمن وشعبه وعروبته النقية وقيمه الإنسانية السامية وجغرافيته الواسعة وموقعه البحري والبري الحاكم ولشعبه المفعم بالوطنية والقومية والتدين، والذي أجاد عبر تاريخه القتال وجعل من اليمن مقبرة للغزاة والإمبراطوريات ويتوق للمشاركة في حرب تحرير فلسطين من البحر إلى النهر. قررت قيادته واستجابت لنداءات شعبها وهتافات الحناجر، وانخرطت بالحرب من موقع الواثق والمقتدر، والقابض على الجمر وعلى البحرين والمضيق، وبدأت القوات اليمنية بقصف قواعد إسرائيل في أرتريا، ورجمت جنوب إسرائيل بالمسيرات والصواريخ واحتجزت السفن الإسرائيلية واشتبكت مع البحرية الأميركية والفرنسية، وعندما لم ترتدع إسرائيل واتخذت أميركا الفيتو وأسقطت قرار مجلس الأمن لوقف المذبحة في غزة، رد اليمن بفيتو على تموين وتمويل إسرائيل وأعلن فرض الحصار البحري على موانئها، وأنذر الدول والشركات بأن السفن المحملة من وإلى إيلات ستحتجز وستدمر والحصار مستمر حتى فك الحصار عن غزة.
اليمن يناصر ويساند ويشاغل ويشتبك ويفرض هدفاً جديداً وإضافياً للحرب، وهو فك الحصارات وكسرها لكسر أخر أذرع أميركا والأطلسي في الحروب وبهزيمتها في حرب الحصارات والعقوبات، وإلحاق الهزيمة ببحريتها في البحار الأربعة، ستكون أميركا والأطلسي والعالم الأنكلو- ساكسوني عراة من عناصر القوة وخارج المسارح والجغرافية التي تنشئ الحضارات والإمبراطوريات وتصونها.
هذا هو مغزى أن تكون اليمن ذراع محور المقاومة الأصلب والأفعل في حرب حماية غزة وتحرير فلسطين من البحر إلى النهر، ودفن العالم الأنكلو- ساكسوني وتصفية آثاره ومنتجاته من النظم والأسر والأدوات والكيانات التي تساندت لإضعاف العرب والمسلمين ونهب ثرواتهم والتحكم بجغرافيتهم.
سعيد يا يمن وجبار بأهلك ورجالك…
وأسعدتنا…