العودة إلى الأسرة الممتدة…
بقلم محمد حسن العرادي – البحرين
خلال السنوات الماضية ارتفعت تكلفة الحياة المعيشية أضعافاً مضاعفة، وزاد من ارتفاعها تغليب الكماليات على الضروريات الأساسية حتى غدت هذه الكماليات جزءاً لا يتجزأ من الحياة العصرية بالنسبة لكثير من الأسر الجديدة، وقد أثر ارتفاع التكاليف الباهظة للزيجات الجديدة على تراجع أعداد المتزوجين أو المقبلين على الزواج من الأجيال الجديدة خاصة إذا وضعنا بعين الاعتبار التقاليد والبدع الجديدة التي طرأت على هذه الزيجات وخاصة ارتفاع المهور وما يرتبط بها من مصاريف وتقاليع لم تكن موجودة من قبل.
وفوق كل ذلك فقد أدى إصرار العرسان الجدد على بد حياتهم في بيوت مستقلة أو شقق منفردة بهم إلى زيادة الأعباء والديون التي تتورط فيها الأسر الجديدة، وربما كان ذلك أحد الأسباب التي تؤخر سن الزواج بالنسبة لكثير من الشباب البحريني الراغب في الاقدام على مشروع الزواج، وبصورة عامة فإن متوسط تكلفة أي زيجة جديدة لن تقل عن 20 – 25 الف دينار مع الرأفة إذا أضفنا لها مصاريف تأثيث بيت أو شقة الزوجية، فإذا أضيف لذلك تكاليف شهر العسل الذي أصبح أمراً ملحاً والزامياً في أغلب الأحيان فإن متوسط تكاليف الزواج لن تقف عند حاجز 30 الف دينار.
لقد أثرت في مجتمعاتنا الحضارة الغربية والدعوة المبالغ فيها إلى الاستقلالية لدى الشباب من الجنسين، ورغم علمهم بأن هذه التقاليد سوف تضع على أكتافهم أعباء مالية كبيرة وثقيلة إلا أنهم يصرون على السير فيها والالتزام بها حتى لو كان ذلك سبباً مباشراً في تأخير إتمام الزواج، أو عاملاً مالياً ضاغطاً قد يؤدي إلى نفقات مالية غير ضرورية وربما يقود إلى انفصام هذه الزيجات بسبب التعسر المالي وعدم القدرة على توفير حياة كريمة ضمن المستوى الاقتصادي المعقول.
إنني أدعو إلى حوار مجتمعي يعالج ظاهرة تأخر الجيل الجديد في الاقدام على الزواج، وأعتقد أن أهم الأسباب التي تقود إلى ذلك هي أسباب مالية، ويضاف إلى ذلك أن كثيراً من الزيجات ينتهي بها المطاف إلى المحاكم بسبب عدم الانسجام وربما الاستقلالية المبالغ فيها لدى كلا الطرفين شركاء التجربة الزواجية، ولا شك بأن ما قبل الزواج ليس كما بعده، وحتماً فإن الأزواج الجدد مطالبون بتقديم التنازلات المتبادلة لكي تمضي الفترة الحرجة من حياتهم الزوجية المشتركة، ويتمكنا من الاعتياد على بعضهما البعض وتقبل الطباع المختلفة والهوايات والعادات التي يحملها كل منهما، وذلك يحتاج إلى بيئة حاضنة تتمكن من استيعاب هذه الخلافات البسيطة والتخفيف من ردات الفعل التي يبديها كلا الطرفين.
إنني أعتقد بأن الأزواج الجدد قد لا يكونون مستعدين لحياة مستقلة بشكل كامل في سنوات زواجهما الأولى، خاصة مع كثرة الأعباء الوظيفية لكل منهما، الأمر الذي قد يفرض تواجد أحدهما أو كلاهما أوقات طويلة وحيداً في بيت الزوجية، ما يفتح المجال للتفكير الأحادي وربما تتداخل معه بعض الأنانية وحب الذات، فتتوتر العلاقات وتضعف الروابط الأسرية بدل تماسكها.
ولحل ذلك وإطالة فترة الترابط الاجتماعي والعبور من المرحلة الحرجة في عمر الزيجات الجديدة، فإنني أدعو للعودة إلى نمط الحياة القديمة حيث الأسرة الممتدة والمركبة التي يتواجد فيها الأزواج الجدد في بيئة عائلية حاضنة وعاطفية دافئة، ما يوفر لهما الجهد والوقت والظروف والتكاليف المناسبة لإعداد مستقبلهما الأسرى بطريقة هادئة بعيداً عن الضغوط المالية والمجتمعية، وهذا لا يعني الدعوة لتدخل الآباء والأمهات في حياة أبنائهم والتحكم فيها، بقدر ما يعني منحهم المزيد من جرعات الحنان والاحتضان ريثما يعبرون الفترة الحرجة في بداية حياتهم.
إنها دعوة صادقة أضعها برسم الأسرة البحرينية لتخفيف الالتزامات المالية والاجتماعية والمعيشية على الجيل الشباب، ومساعدته على تخطي الظروف الاقتصادية، والاستفادة من تجارب الآباء والأجداد في بناء أسر ممتدة ومركبة ومترابطة ومتواصلة تربط بينها المحبة والتعاون، ودون شك فإن هذه الأسرة الممتدة ستساعد الزيجات الجديدة على تقبل الحياة المعيشية الجديدة، وتهيء لهم الأرضية المناسبة لبداية أكثر قوة وتماسكا.
وفي رأيي أن أي زواج جديد يحتاج إلى احتضان عائلي هادئ فترة لا تقل عن خمس سنوات على الأقل، ريثما يعتاد الأزواج الجدد على رتم الحياة المستقل، وربما إنجاب المولود الأول ورعايته بمساعدة الأهل، خاصة إذا كان كلا الزوجين من أصحاب الوظائف التي تأخذ معظم أوقات النهار، من جهة أخرى فان ذلك سيساعد الوالدين (الاجداد) على تقبل فترة التغيير في نمط الحياة الأسرية.
ويمكن لأفراد الأسرة الممتدة وخاصة الأجداد، المساعدة في نقل التعاليم والتقاليد الثقافية والاجتماعية بما في ذلك اللغة على سبيل المثال لأحفادهم، كما يمكن للأجداد مشاركة القصص والمهارات الاجتماعية والتعاليم خلال وقتهم مع الأحفاد، وذلك يعزز احترام الذات لدى الأطفال عند مواجه المشاكل أو الخلافات بين الآباء، ويمكن للأسرة الممتدة في إحتواء المشاكل وحلها بشكل هادئ لانها الأقدر على توفير الاستقرار والسعادة، خاصة وأن لدى الأجداد علاقة خاصة مع أحفادهم.
إن إيجاد توازن عائلي يمكن أن يُحدث فرقاً كبيراً في الصحة العامة للأجداد حيث يمكنهم تجديد نشاطهم بشكل غير مباشر من خلال التفاعل مع أطفالهم، ولاشك أن المشاركة في متابعة نمو الأحفاد وتطورهم يجلب الرضا العاطفي الذي يختلف عن شعور الوالدين، وفي معظم الثقافات، يتمتع الأجداد بمكانة خاصة من التبجيل والاحترام والثقة، والمودة، ولاشك أن رؤية نمو الأجيال الجديدة يمكن أن يكون أسعد وقت في حياة الشخص.