من ينصف أبناء القرى في البحرين ..؟
بقلم محمد حسن العرادي – البحرين
هناك من ينظر إلى أبناء القرى في البحرين نظرة تعالي تصل إلى حد الإزدراء اوالاحتقار، ويعتبرهم البعض لا يصلحون سوى للأشغال الشاقة والأعمال الخشنة، أو الأعمال التي لا تحتاج إلى ذكاء وإنما إلى عضلات مفتولة، لذلك يتطاولون ويلسنون عليهم في (الطالعة والنازلة) معتقدين بأنهم خيراً منهم وأكثر فهماً ووعياً حتى ليخيل إليهم بأن أبناء القرى كانوا ولا يزالون مواطنون من الدرجة الثانية وربما من الدرجة الثالثة في سلم الحقوق والواجبات، وليس لهم الحق في تسلم الوظائف الحكومية وخاصة مناصب الوزارء، والسفراء، والوكلاء، والوكلاء المساعدين، والمدراء العامين ومدراء الإدارات ورؤساء الأقسام، فمتى تنتهي هذه النظرة ويحل محلها الإحترام المتبادل.
وبحسب بعض الخبراء الاجتماعيين فإن ما كان يُعرف بالقرى أو الأرياف في مملكة البحرين قد أصبح جزءاً من التاريخ والتراث وهو في طريقه ليصبح ذكرى وتاريخ مضى، فقد تطورت القرى وتمددت واتسعت وارتفع تعداد سكانها، والخدمات المتوفرة فيها حتى باتت مُدنا صغيرة أو هي أقرب إلى ذلك فعلاً، خاصة مع التمدد العمراني والمشاريع الاسكانية التي خلقت تداخلاً وتواصلاً بين المدن والقرى، وساهمت في تحقيق أكبر اندماج مجتمعي ومدني وحضاري وأصبح وصف القرى في العلوم الحديثة امتدادات المدن، كما أصبح من الصعب على المهتمين التمييز بين أبناء القرى وأبناء المدن، إن من حيث الشهادات الجامعية المتخصصة، أو الإمكانات الإدارية والسياسية والإقتصادية، بل يمكن القول بكثير من الثقة بأن العديد من أبناء القرى صاروا يتبوأون مكانة عالية وشهادات ودرجات علمية من أعرق وأكبر الجامعات في العالم.
وقد يتساءل البعض عن الأسباب التي دعت لإثارة هذا الموضوع في هذه الفترة بالذات، والجواب بسيط جداً، وخاصة في وسط البيئة البحرانية، فلقد دأب بعض الإخوة الأعزاء من أبناء وأهالي الأسر والعوائل المنامية تحديداً على الإدعاء بأنهم وحدهم المؤهلون لتولي المناصب الرسمية العامة، ويدافعون عن مطالبتهم بأن يكون الحضور البحراني (الشيعي) في الحكومة حصراً عليهم وعلى أبنائهم، معتبرين ذلك حقاً مكتسباً منذ أيام الإستعمار البريطاني، حين كان أبناء القرى يعانون من الاضطهاد والبُعد عن مركز القرار بشكل واضح، مما فتح الفرصة للأسر المنامية لتوارث هذا الانطباع واعتباره حقاً حصرياً حتى اليوم، وربما تجد بعضهم يستغربون كثيراً ويرفعون أصواتهم محتجين إذا حدث وتم إختيار أحد الكوادر المتميزة من أبناء القرى لمنصب رفيع هنا أو هناك، رغم أنه قد استحق ذلك بجدارة تامة.
لقد ولى هذا الزمن وحان أن تنتهي هذه النظرة الدونية لأبناء القرى، فهم قد صاروا يشكلون رافداً وعمقاً وطنياً كفؤاً ومؤهلاً لتولي أهم المسؤوليات والمواقع القيادية، ويتمتعون بالكفاءة وأعلى درجات الإنتماء والوطنية، وقد حان الوقت لأن تُولي حكومتنا الرشيدة هذا الجانب إهتماماً أكبر من خلال التواصل مع أبناء القرى والتعرف بشكل أوسع على إمكاناتهم وقدراتهم والمؤهلات التعليمية العليا التي يحملونها، والتي تجعلهم قادرين على منافسة الكفاءات البحرينية الأخرى في شتى المواقع بكل محبة وتفاني لخدمة الوطن.
ولا شك أن بعض سكان المدن البحرينية الأخرى مطالبون أيضاً بترك نظرة التعالي والتباهي التي يحملونها تجاه أهالي القرى وينظروا حجم التغيير في التعليم والتأهيل الذي من خلاله تم رفد الدولة بالعديد من الكفاءات والتخصصات كالأطباء والمهندسين والمدرسين والفنيين والشعراء والأدباء والنشطاء في شتى الميادين، بل يمكن التحقق من أن عدداً كبيراً من أبناء القرى البحرينية العريقة يتبوأون فعلياً مواقع ومراكز علمية وقيادية في العديد من المستشفيات والبنوك والمؤسسات الناجحة حول العالم، الأمر الذي يؤكد جدارتهم بإستلام مراكز قياديه في مختلف الوزارات والأجهزة الحكومية والخاصة في البلاد.
فهل نشهد قريباً المزيد من الإهتمام والتقدير للمبدعين والمتفوقين من أبناء القرى البحرينية، وإفساح المجال لهم للتنافس على المراكز القيادية في مختلف الجهات الرسمية والأهلية، وهل نرى إنتهاء النظرة الدونية إلى الأبد، تلك النظرة التي خلقت مرارة وعتباً بسبب اعتمادها من قبل بعض أبناء الأسر من أهالي المدن تجاه أبناء القرى، والمطاوب هو التوقف عن الإستهانة بقدراتهم وعطاءاتهم والنجاحات التي حققوها ولا زالوا يحققونها داخل وخارج البلاد وخاصة في أمريكا والدول الأوربية،
وهل نشهد المزبد من إهتمام المؤسسة الرسمية بالتواصل مع العقول المهاجرة من أبنائنا وتسهيل عودتهم بل وتشجيعهم عليها لتسلم المواقع التي تناسبهم بدلاً من استقطاب الأجانب الذين يكلفون البلاد ملايين الدنانير، ويتسببون في نزيف مالي مستمر يؤرق الجميع، بينما يمكن أن يعوضه أبناء البلاد، كل هذه الاسئلة برسم المسؤولين الكرام .