الحالمون لا يستسلمون – 2

بقلم محمد حسن العرادي – البحرين
تظله الملائكة بأجنحتها ويحف به المشيعون من مختلف فئات الشعب الإيراني المسلم، سار النعش في شوارع طهران يودعها حارة حارة ويأخذ منها العهد والوعد بالبقاء على طريق تحرير بيت المقدس من براثن المحتلين، كانت الروح محلقة في السماء تراقب الجماهير المؤمنة وهي تحف بالجسد الطاهر تلقي عليه نظرة الوداع الأخير، تماماً كما فعلت من قبل مع رفاق الدرب الذين غادروا مبكرين إلى الرفيق الأعلى يمهدون الجنة لإستقبال من ياتي بعدهم من الشهداء والصالحين الذين ما تنازلوا عن أحلامهم أبداً، وكما تنغرس أشجار التين والزيتون في تراب الأرض المقدسة، كان الحالمون يضعون بصماتهم على طريق ذات الشوكة.

بعض الأرواح تغادر قبيل الفجر بقليل، تتوضأ بدماء الشهادة للصلاة مع الأنبياء والرسل والملائكة المقربين، ثم ترتقي للعلى سريعاً حتى تنظم إلى الصفوف المؤمنة بالرب الجليل، بعض الأرواح إختارت لنفسها أن تغادر مرفرفة بأجنحة الطير الأبابيل، وهي ترمي على الفتنة أحجاراً وناراً من سجيل، وتنتج صبراً ونصراً مبين وتزرع زعتراً ومقاتلين، تلك الأرواح تجتمع تحت ظلال العرش في حضرة الروح القدس نصرة للحق وشعب فلسطين، وفي لحظة فاصلة من التاريخ والزمان طافت روح القائد الشهيد بالعاصمة طهران ألقت عليها نظرة الوداع الأخير، وإطمئنت على وحدة الأوطان التي جسدت شعار الشيعة والسنة إخوان.

حلقت الروح وهي تسبح بحمد الله وتتلوا آيٍ من الذكر الحكيم ﴿أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تَدۡخُلُوا۟ ٱلۡجَنَّةَ وَلَمَّا یَأۡتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِینَ خَلَوۡا۟ مِن قَبۡلِكُمۖ مَّسَّتۡهُمُ ٱلۡبَأۡسَاۤءُ وَٱلضَّرَّاۤءُ وَزُلۡزِلُوا۟ حَتَّىٰ یَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصۡرُ ٱللَّهِۗ أَلَاۤ إِنَّ نَصۡرَ ٱللَّهِ قَرِیبࣱ﴾ [البقرة ٢١٤]
واحتفت بالنصر الإلهي القادم على هتاف وأدعية عشرات الآلاف من المشيعين الإيرانيين الرافضين للهيمنة الصهيونية، المطالبين بالثأر والإنتقام من القتلة المجرمين، من كل الأعمار تحلقوا حول النعش المسجى في عربة التشييع إلى جانب مرافقه الشهيد، سارت الأمة خلف النعش الطاهر تلبي النداء وتطالب بالثأر لدم ضيفهم الكريم لأنه واحدً منهم ودمه دمهم، رددوا الشعارات التي شكلت الوعي والمسار منذ خمسة وأربعين عاماً، على درب الشهداء الذين ساروا على ذات الدرب نحو تحرير فلسطين.

كانت الجماهير الإيرانية تتذكر صوته وهو يتوج قائدهم ورمزهم بوسام الشهادة المقدسة، يوم قال بكل وضوح (شهيد القدس، شهيد القدس، شهيد القدس)، لذلك حمل المشيعون صورة الشهيدين من أجل القدس جنباً إلى جنب، وطالبوا بالثأر لهما ولكل شهداء فلسطين من الأطفال والنساء والأبطال الذين تصدوا لآلة القتل والدمار الصهيونية التي تعمل على إقتلاع البشر والحجر والشجر من الأرض الفلسطينية وخاصة من غزة هاشم، ولكن هيهات هيهات فجذور هذا الشعب وعروقه مغروسة عميقاً في أرض الأنبياء.

وحين إكتملت المراسيم وترجمت الوحدة بين المسلمين غادر الجسد الشريف الشهيد إلى تشييع مهيب آخر حيث تلقفته أيادي الرفاق والمحبين على تراب الخليج العربي فوق أرض الدوحة التي منحته الملاذ والمأوى، وإحتضنت نشاطه وتحركاته من أجل تثبيت الحق الفلسطيني غير القابل للتصرف، من هناك قاد المفاوضات السياسية الصعبة الرافضة للتنازل والإنصياع للقهر والعدوان والإرهاب، أعلن في كل موقف ومكان شعاره الأبدي الأزلي (لن نعترف بإسرائيل)، وهكذا مضى ثابتاً على العهد صادق الوعد، وسلم الأمانة لمن يحملها بعده ويواصل الدرب من الحالمين بالتحرير والعودة، فالحالمون لا يستسلمون أبداً.

أجواء برس

“أجواء” مجموعة من الإعلام العربي المحترف الملتزم بكلمة حرّة من دون مواربة، نجتمع على صدق التعبير والخبر الصحيح من مصدره، نعبّر عن رأينا ونحترم رأي الآخرين ضمن حدود أخلاقيات المهنة. “أجواء” الصحافة والإعلام، حقيقة الواقع في جريدة إلكترونية. نسعى لنكون مع الجميع في كل المواقف، من الحدث وما وراءه، على مدار الساعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى