الخلافة الإسلامية بين الانتخاب والإغتصاب

بقلم محمد حسن العرادي – البحرين

بعد أحداث سقيفة بني ساعدة التي أسست لنظام الشورى وفترة الخلفاء الراشدين، ابتعد الإمام علي بن ابي طالب عليه السلام عن دائرة الحكم المباشر، وانشغل بدوره الفقهي الإرشادي ومتابعة شئونه الخاصة وتربية أبنائه على النشأة الإسلامية الصحيحة، فكانوا أئمة حق ونور وهداية، ومن خلالهم حافظ على بيضة الإسلام ووحدته قائلاً في إحدى خطبه عندما آل الأمر إلى الخليفة الثالث عثمان بن عفان (لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَحَقُّ النَّاسِ بِهَا مِنْ غَيْرِي وَ وَاللَّهِ لَأُسْلِمَنَّ مَا سَلِمَتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا جَوْرٌ إِلَّا عَلَيَّ خَاصَّةً الْتِمَاساً لِأَجْرِ ذَلِكَ وَفَضْلِهِ وَزُهْداً فِيمَا تَنَافَسْتُمُوهُ مِنْ زُخْرُفِهِ وَزِبْرِجِهِ)، وهكذا إنتظر الإمام علي بهدوء ووقار، أكثر من 25 عاماً حتى عادت إليه الخلافة طائعة متذللة عام 35 هجرية عبر نظام المبايعة والشورى، وكان فيها من الزاهدين، وهو بذلك يضرب أروع الأمثلة في الحكمة والزهد والورع.

وعلى ذات الطريق قدم الإمام الحسن تضحية كبرى حين تنازل عن الحكم لصالح معاوية من أجل الحفاظ على وحدة الأمة، ومثله فعل الإمام الحسين الذي قبل العيش طوال فترة معاوية التي استمرت عشرون سنة دون القيام بأي عمل يؤدي إلى إشعال الخلافات الداخلية بين الأطراف الإسلامية، ولم ينشغل بقضية الخلافة والتنافس من أجلها، بل بقي ملتزماً باتفاقية الصلح التي أبرمها أخوه الحسن مع معاوية، رغم معرفته بالمخالفات الكبيرة والجسيمة التي ارتكبها معاوية وأتباعه، والإساءات الكثيرة التي مارسها الحكم الأموي ضد البيت الهاشمي أوضحها سن شتم الإمام علي على المنابر منذ العام 50 هجرية، حتى عهد الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز .

لكن في المقلب الآخر رأينا كيف خاض معاوية بن أبي سفيان الحروب والمعارك في سبيل الوصول إلى السلطة، وكم إستخدم من حيلٍ ونصبَ من أفخاخ ومكايد، لعل أشهرها رفع المصاحف في معركة صفين حين أيقن معاوية بهزيمة جيشه أمام جيش الشرعية تحت قيادة أمير المؤمنين الإمام علي، ولم يكتفي بذلك بل إبتدع آلية الحكم الوراثي التي لم تكن معروفة في الدولة الإسلامية، وإختلق منصب ولي العهد ومنحه لإبنه يزيد بن معاوية وهو المشهور بالفسق والفجور، وكانت خطوته مرفوضة من قبل كبار الصحابة والتابعين وذوي الرأي والحجى.

ورأينا كيف أن هذا اليزيد قاتل بشراسة وبشاعة من أجل اغتصاب السلطة، وتثبيت أركان دولة الأمويين، وقد ارتكب في سبيل ذلك الموبقات والمجازر الدموية، ولا أدل على ذلك من تنصيبه السفاح عبيدالله بن زياد والٍ على الكوفة وإطلاق يده في قمع المحتجين والمعترضين وصولاً إلى قتل الإمام الحسين وسبي أهل بيته وحريمه وبناته وتسييرهم في موكبٍ مذلٍ حزين بائس، وإدخالهم على مجلسه وهم مرًبطين بالحبال في رقابهم وأياديهم، يتم سوقهم بالسياط والعصي كأنهم عبيداً معروضين للبيع في سوق النخاسة.

إنها الفوارق الواضحة بين من سعى للوصول إلى الخلافة بكافة الوسائل غير المشروعة بما في ذلك شق وحدة المسلمين والخروج على الخليفة المنتخب الذي بايعته الأمة طوعاً، وبين من حافظ على وحدة الأمة وتنازل عما كان مؤمناً بأنه حقه الأصيل في الخلافة الذي أوصى به الرسول الأكرم (ص)، لكنه وأبنائه من بعده آثروا الصبر والانتظار حتى لا يتفرق شمل الأمة وتقوى شوكة أعدائها والمتربصين بها.

أجواء برس

“أجواء” مجموعة من الإعلام العربي المحترف الملتزم بكلمة حرّة من دون مواربة، نجتمع على صدق التعبير والخبر الصحيح من مصدره، نعبّر عن رأينا ونحترم رأي الآخرين ضمن حدود أخلاقيات المهنة. “أجواء” الصحافة والإعلام، حقيقة الواقع في جريدة إلكترونية. نسعى لنكون مع الجميع في كل المواقف، من الحدث وما وراءه، على مدار الساعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى