من أجل أن لا ننقرض -2

بقلم محمد حسن العرادي- البحرين

يرى البعض أن التنمية في دول الخليج العربية كانت ولا تزال تحتاج إلى تواجد أعداد كبيرة من الوافدين للمشاركة في البناء والتعمير وإنشاء البنى التحتية، ويقدم البعض هذا الرأي كمبرر للقبول بارتفاع أعداد العمالة الوافدة والأجانب بشكل عام في دول الخليج العربية، والذين تجاوزت أعدادهم حاجز 50% من السكان في أغلب دول مجلس التعاون الخليجية، بما ينذر بالخطر الوجودي الذي يهدد هوية هذه البلدان وتركيبتها الديمغرافية لصالح الأجانب، ويمكننا مناقشة هذا الأمر من خلال استعراض النقاط التالية:

1- بدأت عملية استقطاب العمالة الوافدة وفتح الأبواب أمام الأجانب منذ أكثر من نصف قرنٍ من الزمان للمساهمة في التنمية والتعمير، وإذا كان هذا مبرراً لوجود أعداد كبيرة من العمالة في بداية النهضة العمرانية، فإن استكمال البنية التحتية والإنشاءات اللازمة لنمو هذه المنطقة يجب أن يضع حداً لهذ الحاجة، ومن دون شك فإن الوقت قد حان للتقليل من أعداد هذه العمالة بشكل تدريجي، والبدء في إعادتهم إلى بلادهم الأصلية بدون انتقاص حقوقهم او التنكر لدورهم في التعمير والبناء.

2- لقد كان من الواجب على الجهات الخليجية الرسمية المعنية وضع آلية عمل تضمن عدم إستقرار هذه الأعداد الهائلة من العمال الوافدة والأجنبية في دول المنطقة لفترات طويلة، حتى لا تتحول إقامتهم إلى استيطان يصعب التعامل معه، وتترتب على وجودهم حقوقاً مكتسبة ومسؤوليات ملزِمة ومؤثرة على دول الخليج التي استقبلتهم واحتضنتهم خلال نصف القرن الماضي وأكرمتهم بل وساعدت بلدانهم على النمو والإستقرار عبر التحويلات المالية المنتظمة من قبلهم.

3- لقد تحول الكثير من العمال الأجانب في المنطقة إلى عبئ إقتصادي كبير أثر سلباً على موازنات الدول الخليجية التي احتضنتهم أيام الطفرة النفطية، لكن هذا العصر قد ولى ولا توجد أي مؤشرات لعودته أبداً، خاصة بعد أن أصبحت الدول الخليجية تعاني من عجوزات مالية كبيرة ودين عام ثقيل، لكن بلداننا لا تزال في حاجة إلى المزيد من منشئات البنية التحتية لتتمكن من إستيعاب الزيادة الفاحشة في السكان بسبب استمرار تقاطر وتدفق الأجانب من دون حسيب أو رقيب، الأمر الذي يعني أن دولنا صارت تستنزف موازناتها ومشاريعها لتوفير الخدمات اللازمة لهؤلاء الأجانب بدون مردودٍ يذكر، وإذا إستمر تدفقهم بهذه الوتيرة فإننا لن نصل إلى نقطة توازن أبداً.

4- إن هذه الأعداد الكبيرة من العمالة الوافدة والمهاجرة قد تحولت إلى ما يشبه المجتمعات الموازية المستقرة في منطقتنا، والتي جلبت معها عاداتها وأنظمة حياتها ولغتها وتحزباتها وإختلافاتها السياسية والفكرية والدينية أيضاً، ونتيجة للتنافس غير المنضبط فيما بينها على اقتسام الكعكة الاقتصادية، أصبحت كل جالية تسيطر على قطاعات معينة على شكل كارتيلات اقتصادية تهيمن عليه بشكل شبه كامل، وتستطيع إحتكار القرارات الخاصة بهذه القطاعات التي توزعت فيما بين الجاليات الأجنبية وأحكمت السيطرة عليها كنوع من سياسة الأمر الواقع.

5- من المؤسف له أن بعض الجاليات الأجنبية قد بدأت في تكوين مجتمعاتها ومناطق نفوذها السكانية الخاصة، وربما تتحول هذه البؤر الإستيطانية إلى مناطق(مستعمرات) تتمتع بما يشبه الإستقلال الذاتي في بعض الدول الخليجية، فضلاً عن تغلغل أفرادهها وسط مجتمعاتنا الوطنية المحلية حتى باتت تضرب وتخرب وتؤثر على النسيج المجتمعي الخليجي العربي الأصيل بدءاً من ثأثيراتها في اللغة وصولاً إلى تداعيات تغلغلها وإنعكاسها على الشعور بالأمن والإستقرار لدى المواطنين.

وإذا ما إستمر الحال على هذا المنوال فإننا سنكون أمام مخاطر حقيقية تهدد وجودنا وهويتنا، فضلاً عن عاداتنا وتقاليدنا العربية الأصيلة، الأمر الذي يستدعي من الجهات المعنية الرسمية والشعبية بما في ذلك مؤسسات المجتمع المدني، أن تبدأ في رسم خطوط ووضع ضوابط وأنظمة تحمي المجتمعات العربية الخليجية من الذوبان والانصهار والتراجع أمام هذه المجتمعات الوافدة المدعومة من قبل دولها وسفارات بلادها، ومن دون شك فإن هذه الدول تعتبر جالياتها قوى غزو ناعمة تستطيع من خلالها التأثير على سياسات دولنا وخياراتها الاقتصادية وسياستها الخارجية، وللحديث تتمة.

أجواء برس

“أجواء” مجموعة من الإعلام العربي المحترف الملتزم بكلمة حرّة من دون مواربة، نجتمع على صدق التعبير والخبر الصحيح من مصدره، نعبّر عن رأينا ونحترم رأي الآخرين ضمن حدود أخلاقيات المهنة. “أجواء” الصحافة والإعلام، حقيقة الواقع في جريدة إلكترونية. نسعى لنكون مع الجميع في كل المواقف، من الحدث وما وراءه، على مدار الساعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى