البداية وقف العلاقات… الاستراتيجية قطع العلاقات

بقلم محمد حسن العرادي- البحرين

بداية الرد على همجية ترامب العنصري وعنجهية النتنياهو الصهيوني يجب أن تكون وقف العلاقات مع الكيان الغاصب من قبل الدول التي أجبرت على التطبيع معه تحت الضغط الأميركي الوقح، والطريق إلى ذلك قرار عربي ملزم يصدر من القمة العربية الطارئة المزمع إقامتها في القاهرة في 27 فبراير 2025، بعنوان «قمة عربية طارئة» حول تطورات القضية الفلسطينية، قرار يقطع ويمنع، يقطع العلاقات القائمة ويمنع العلاقات القادمة، فهذه الأمة نالت من الذل والهوان على أيدي الأميركيين أكثر مما يُحتمل، وهذا الكيان لم يترك فرصة لإيجاد أي حل كان بالحديث عن السلام والعيش بأمان مع عدو جائر يستخدم أبشع الوسائل لفرض أمر واقع جديد وتغيير خارطة المنطقة حسب ما يريد.

و إذا تعذر عقد مؤتمر القمة العربية الطارئة لأي سبب من الأسباب، فإن الدول العربية كل في مكانه وموقعه مطالب باتخاذ موقف شجاع وجريء يقطع ما لديه من اتصالات مع هذا الكيان المحتل، ويستعين بالحراك الشعبي لدعمه ومساندته، يهدد بقطع العلاقات الاقتصادية والعسكرية مع الولايات المتحدة الأميركية والبحث عن بدائل أفضل مع الدول التي تتصرف وفق بروتوكولات الاحترام المتبادل معنا، وليس تلك الدول التي تريدنا إمعات نتبع سياستها وننفذ قراراتها العنجهية حتى لو كانت ضد مصالحنا العربية الوطنية والقومية، لقد حان الوقت لأن يتحمل الجميع مسؤولياتهم بعيداً عن المماحكات السياسية والحسابات الضيقة، وبعيداً عن الخوف من التهديدات الأمريكية الفارغة.

لطالما كُنا نُعيد ونُكرر بأن هذا الكيان الغاصب لفلسطين لن يكتفي بأرضها وحدودها وأنه يعمل على التمدد في الدول العربية المجاورة، عبر اغتصاب وقضم المزيد من الأراضي تحقيقاً لاكذوبته التاريخية “أرضك يا إسرائيل من النيل إلى الفرات” لكن البعض كان يعتبر ذلك نوعاً من التحريض ضد مبادرة السلام العربية التي افترضت أن هذا الكيان يبحث عن السلام والاستقرار في حدوده الحالية، فعرضت عليه مبادلة الأرض بالسلام وقبلت بدون وجه حق اقامة دولة فلسطينية في حدود 4 حزيران 1967، وفق قرارات الأمم المتحدة 242، 338 البائسة، لكن “اسرائيل” رفضت تلك المبادرة التي أقرتها قمة بيروت فبراير 2002، وعملت على إفشالها وإفراغها من المحتوى.

ثم جاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليكشر عن أنياب الكلاب الصهيونية ويزيد من نباحها، كما يفعله المجرم الدولي نتنياهو، ويعلن ضم الجولان العربية السورية بشكل نهائي، والاعتراف الأميركي بالقدس “عاصمة موحدة لاسرائيل” ولم يكتف بذلك بل أطلق أكبر حملة تضليل في التاريخ باسم “الديانة الإبراهيمية” وبنى على أساسها صفقة القرن المخزية واتفاقيات التطبيع المشينة التي تجاوزت مبدأ الأرض مقابل السلام واستعاضت عنها ب “السلام مقابل السلام” وفق نظرية النتن ياهو الذي يعلن جهاراً نهاراً أن لا وجود ولا مجال للدولة الفلسطينية أبداً، ويمارس كل يوم سياسة الأمر الواقع من خلال شرعنة الاستيطان في الضفة الغربية التي بات يسكنها أكثر من 800 ألف صهيوني محتل ومغتصب، لكن المشهد اليوم تغير بصورة فجة ومجحفة أكبر تُلغي كل بادرة أمل في مستقبل ما سمي بالتعايش السلمي، أو ما يطلق عليه حل الدولتين.

فبعد عدوان وحشي إرهابي استمر أكثر من 15 شهراً اقتلع ودمر كل شيء في قطاع غزة، ها هو الجيش الصهيوني يهاجم مخيمات ومدن الضفة الغربية ذاتها، بعد أن اعتدى على لبنان واجتاح الأراضي السورية واستباحها، وعلى رغم الصمت العربي والدولي المريب، فإن الإرهابي نتنياهو لم يكتف بذلك، بل راح يبني على وعود ترامب بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى دولة فلسطينية فوق أراضي المملكة العربية السعودية، وفق نظرية ترامب القائلة إن “أرض إسرائيل صغيرة” وأن لدى العرب أراضٍ شاسعة يستطيعون استقبال الفلسطينيين فيها.

لقد تبدلت الأحوال وصار المحتل هو صاحب الأرض، وصارت الأمة العربية مطالبة بايجاد وطن بديل للفلسطينيين، فترامب يريد ترحيلهم وتملك قطاع غزة ليبني عليه منتجعات وشواطئ وفنادق خمسة نجوم بالأموال العربية، وفوق كل ذلك على الأردن ومصر وباقي الدول العربية قبول توطين الفلسطينيين لديهم من أجل أن يحل السلام ، وتقبل بهم “اسرائيل” جيراناً ضعفاء مسلوبين الإرادة والقرار ، لا يزيد دورهم عن أسواق استهلاكية لبضائع ومنتجات أميركا، فماذا بعد كل هذا الذل ننتظر، لقد آن الأوان لقول كلمة “لا” في وجه الطاغية الديكتاتور الجديد ترامب وحليفه الإرهابي النتن ياهو، وإذا لم تتحرك العواصم العربية للدفاع عن نفسها فعلى الأمة العربية السلام.

وأخيراً وفي ضوء تسارع الأحداث بشكل دراماتيكي لا يستغربن أحد أن تُحتل عواصم عربية جديدة بعد أن احتلت القدس وضُربت بيروت بأكبر القنابل الأميركية وصارت دمشق مستباحة ومحاصرة بالدبابات الصهيونية، واصبحت بغداد واقعة تحت رحمة الطائرات الحربية الأميركية والصهيونية، وانتُهكت مختلف الأجواء العربية من قبل الطيران العسكري والمدني الإسرائيلي، الذي يعربد فوق سماءنا، يتجسس ويصور متى ما شاء وكيفما أراد من دون رقيب أو حسيب، فضلاً عن توظيف الأقمار الصناعية لمراقبتنا ورصدنا على مدار الساعة، إنها لحظة الحقيقة التي يجب علينا مواجهتها قبل فوات الأوان، هذا إن لم يكن الأوان قد فات فعلاً، أمام هذه الأوضاع البائسة جداً، واذا كانت البداية تتطلب وقف العلاقات فإن الإستراتيجية يجب أن تكون قطع العلاقات مع الكيان الصهيوني نهائياً وبشكل دائم، وسحب الإعتراف به أو التواصل معه في كافة المجالات وعلى مختلف المستويات، لأنه لا يفهم سوى هذه اللغة التي تُعيد لنا بعضاً من كرامتنا الممتحنة والممتهنة على يد اتفاقيات التطبيع المخجلة والمحزنة.

أجواء برس

“أجواء” مجموعة من الإعلام العربي المحترف الملتزم بكلمة حرّة من دون مواربة، نجتمع على صدق التعبير والخبر الصحيح من مصدره، نعبّر عن رأينا ونحترم رأي الآخرين ضمن حدود أخلاقيات المهنة. “أجواء” الصحافة والإعلام، حقيقة الواقع في جريدة إلكترونية. نسعى لنكون مع الجميع في كل المواقف، من الحدث وما وراءه، على مدار الساعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى