هل أطلق الأسد ثورته التصحيحية بدءاً من الحزب؟

ميخائيل عوض
غدر الزمن بسورية مرات وجعل إصلاحها وتطويرها معقداً وتأخر كثيراً.
غاب الرئيس حافظ الأسد في ظروف نوعية عملت بمجملها بعكس ما أسس له وتمناه، وكان بصدد إحداث نقلة نوعية ببنيتها ودولتها وحزبها بعد أن نجا فيها من آثار إنهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الإشتراكية نقلة أعد لتؤهلها لقيادة حقبة المقاومة بعد نصر ال2000.
تسلم الرئيس بشار سورية فاشتدت الأزمات وتركزت الجهود على استهدافها ولم يهدأ لها بال من خواصرها: بغداد وبيروت ومن الشمال والجنوب تربصت بها المخاطر والمؤامرات ولم تهادنها يوماً.
التهبت الأزمات واشتدت  وتكاثرت عليها الذئاب من كل حدب وصوب.
أربعة وعشرون سنة من ولاية الرئيس بشار وسورية وعربها والاقليم في مخاضات قاسية، بل غير مسبوقة، فاحتلت بغداد وهددت دمشق من شرقها وقتل الحريري واشتعلت بيروت في وجهها.
لم تتوفر فرصة و زمن لمشروع الرئيس لاجتثاث الفساد ولإطلاق مشروعه التحديثي والنهضوي لسورية، برغم أن رؤيته ومشروعه كان واقعياً واضحاً عارفاً بالواقع وتجلياته وما سيكون وكيف تدار الأمور.
دهمت سورية أزمة سرعان ما تحولت إلى حرب عالمية عظمى .فزج أعداؤها كل وأي ما لديهم من تحالفات واموال وضغوط وقوى إرهاب وأجهزة أمن وخبراء من كل حدب وصوب، ونصبت الخيام باكراً لتهجير أهلها، وأقيمت غرف العمليات على طول حدودها ومن كل جهاتها، وكسرت إسرائيل قواعد واتفاقات فصل القوات وبذلت ما استطاعت وقررت أميركا وحلفها احتلال وفصل أجزاء ثمينة منها، وفرضت حصار قاس وتجويع بمشاركة عرب وإسلاميون وساحات وبلدان محسوبة على محور المقاومة” لبنان والعراق”.
قليلون جداً من كانوا واثقين من قدراتها وأنها كعاداتها ستتجلى أكثر. فجوهرتها تلمع أكثر كلما عرضت للاحتكاكات والحروب. فأنتجت ظاهرات غير مسبوقة وقررت تشكيلات وقواعد حروب وجيوش القرن الحادي والعشرين واعادت من منصتها روسية لاعباً عالمياً أولاً وحفزت الصين للانتقال إلى المبادرة.
طيلة الحرب التي ضربتها ودمرت عمرانها واقتصادها وبيئتها الاجتماعية لم يكف الرئيس عن محاولات التطوير والإصلاح وأولاها هما محورياً وجرب كثيراً وركز الهم على الإصلاح الإداري والتنمية البشرية والإدارية.
صارت الأعباء هائلة والضغوط الاجتماعية والحياتية لا تطاق وموارد الدولة تراجعت حدياً، واشتد الحصار مع قانون قيصر وتجريم التطبيع معها واشتدت العقوبات وزادت رهانات إسقاطها بالجوع، وأو بالضغوط لتغير نهجها وموقفها والقيم التي أنتجتها والتزمتها ودفعت الأثمان.
منذ حين وبتقانة وهدوء وبتفعيل الدولة والمحاسبة واستعادت الأموال والمشاريع التي تم نهبها وتهريبها لأباطرة ورجال أعمال ومال تمكنوا وكانوا نافذين جداً، لم يتخيل أحد أن يتم تهميشهم بالسرعة والتقانة وبلا أي شوشرة أو توترات، فحققت حملته غايتها بأقل قدر من الاهتزازات.
ثلاثية سورية الذهبية بقيت بفاعلياتها وديناميتها ما مكن الرئيس من تحقيق الغايات بسلاسة، فالشعب بأكثريته الساحقة والاه وفوضه وأمن به وبقدراته.
والجيش والمؤسسة العسكرية استمرت تجسد روح سورية التاريخية والوثابة التي جبلت كرامة ووطنية وعروبة وإخلاص ومقاومة.
والقائد الذي لم تهتز شعرة من جفنه للمؤامرات والحملات والضغوط التي ناءت تحتها الجبال واهتزت لشدتها.
فهذه الثلاثية هي جوهر سورية وخاصياتها وعدتها للظفر بالنصر مهما اشتدت المخاطر وتكاثرت المؤامرات والضغوط.
بالاستناد لها وبمعرفتها العميقة ومعرفة الواقع وتجلياته وتوازناته على كل الأصعدة بذل الرئيس جهوداً نوعية، وأدار وقاد اجتماعات اللجنة المركزية للحزب، وراهن على الانتخابات الفرعية، وقد أسس نظرياً بإعادة تعريف الحزب ونظريته ودوره وتعريف العقيدة والاشتراكية والعلاقة بين الدولة والحزب القائد، والدعم والاقتصاد والاجتماعي، وأكد على مقولة اقتصاد السوق الاجتماعي مستنداً على تجارب الشعوب والأمم وتجربة سورية نفسها التي استعرضها كما جرت. وعرف العروبة والإسلام والمسيحية ومكونات الأمة ومشروعها العصري.
وبثقة وتصميم أكد التزامات سورية الوطنية والقومية والتمسك بخياراتها وتعزيزها، وبذلك قطع الشك باليقين وأفشل محاولات المتاجرة والاتهام التي سوقت، ومفادها أن الإجراءات التي يعتمدها بالمصالحات العربية أو بالتغيرات العازم على إجرائها في الحزب ودوره هي بمثابة تأهيل سورية لحقبة تطبيع وخيانة ومغادرة موقعها كقلب وكقبضة محور المقاومة وسندها الأكثر متانة وصدق والتزام.
أما بعد…
فقد قاد الحزب وأهله لنقله متقنة وموفقة وذات دلالات، عما يستعد له في المجالات الأخرى خاصة الدولة وبنيتها وهويتها ودورها وقواعدها، فجأت الانتخابات بنتيجة إقصاء القيادة  التقليدية للحزب واأمنت وصول جدد ممن يثق بهم وبخبرتهم وتجربتهم.
إحالة قادة الحزب التقليديين إلى التقاعد تشي بأنه سيفعلها في مجلس الشعب في انتخاباته القريبة وبعده في الحكومة والمؤسسات والمحافظين، وشتى الإدارة بما يوازي ثورة من فوق تسمى بالنموذج السوري الحركة التصحيحية.
ثورة التصحيح حان زمنها ونضجت ظروفها وتفرضها الحاجات المادية ودور سورية ووجوب أن تقود حقبة عصرنة المشروع القومي وتفعيله، وتؤمن نهوضها وإتمام سيادتها بتحرير أرضها المغتصبة من الترك والإرهاب وأميركا والأطلسي والإسرائيلية
تجديد قيادة الحزب توصف بأنها راديكالية وخارجة عن المألوف، وربما مفاجئة لأوساط راقبت الانتخابات الفرعية وافترضا أنها تعيد إنتاج ذات البنية لترسيخها والحؤول من دون الإصلاح والتطوير.
قد تستوجب خطوة تطوير الحزب وإعادة هيكلته وتأهليه لدوره المراهن عليه إجراءات متممه بإعلان حالة طوارئ حزبية لسنتين تمكن القيادة الجديدة من إعادة هيكلته من القاعدة، وفي مختلف المستويات وإعداده ليكون فاعلاً في دوره ومكانته ومهامه الجديدة بعد إعادة تعريفه وتعريف الدولة والعلاقة بينهما.
والحركة التصحيحية التي بدأت بالحزب لا بد أن تشمل كل أوجه الإدارة التي تقادمت وشاخت وتحولت إلى بيئة الافساد وإنتاج الفساد والهدر والتعطيل.
وإعادة تعريف الدولة ووظيفتها وطبيعتها وتالياً إعادة هيكلتها ومؤسساتها باتت واجباً، بعد أن يتم تأمين الكتلة الهائلة من الموظفين والعاملين معها وحفظ حقوقهم المقدسة، فترشيقها ومكننتها وتحريرها من أعباء البطالة المقنعة المرهقة والمكلفة جدا للمجتمع.
سورية تشق طريقها بوعي وثبات إلى إعادة الهيكلة والعصرنة والتحديث لتنهض ولتقود كشأنها عبر التأريخ ومنطقه.
فالمنتصر يكتب التاريخ ويقود في المستقبل.
وقد توفرت لها الظروف والشروط والبيئات وحرب غزة تتوج تضحيات ونضالات العرب ومحور المقاومة بانتصار تاريخي يجب ما قبله.
والثلاثية الذهبية الحاملة لمشروعها والأمينة على روحها ومكانتها في أعلى تجلياتها وثقتها بالنفس وبالشعب، وبمعرفة الواقع الملموس والسعي إلى المستقبل.
عن ثورة التصحيح والدولة والإدارة والإصلاح الإداري والاقتصادي والسياسي، كنا نشرنا دراسات موسعة وسنعود لنواكب الجديد.
كتبنا سلسلة دراسات منها:
مساهمة في النقاش؛ سورية في حقبة احتواء الأزمات تأسيساً لحقبة النهوض والقيادة اعتباراً من
21/2/2822  على سلسلة حلقات، منشورة في وسائط التواصل والشبكات.

أجواء برس

“أجواء” مجموعة من الإعلام العربي المحترف الملتزم بكلمة حرّة من دون مواربة، نجتمع على صدق التعبير والخبر الصحيح من مصدره، نعبّر عن رأينا ونحترم رأي الآخرين ضمن حدود أخلاقيات المهنة. “أجواء” الصحافة والإعلام، حقيقة الواقع في جريدة إلكترونية. نسعى لنكون مع الجميع في كل المواقف، من الحدث وما وراءه، على مدار الساعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى