كيف تحفر أميركا قبر الكيان الصهيوني بأيديها -1
بقلم محمد حسن العرادي – البحرين
بعد مضي أكثر من 100 يوم من العدوان كان لافتاً أن الكيان الصهيوني الإرهابي قد فشل في تحقيق أي إنجاز عسكري أو سياسي ذا قيمة ضد الشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة بشكل كامل منذ أكثر من 16 عاماً، ورغم إحكام الحصار الظالم براً وبحراً وجواً، فإن هذا القطاع الصامد استطاع توجيه ضربة مؤلمة ومحرجة للكيان الصهيوني الذي فشل في الحفاظ على الصورة الذهنية التي رسمها لنفسه، وعمل على تثبيتها طوال 75 عاماً باعتباره صاحب الجيش الحديدي الذي لا يقهر، فإذا به يسقط في الهاوية أمام بضعة مئات من المجاهدين الفلسطينيين الأشاوس.
لكن الملفت للنظر أن الإعداد الجيد بل الممتاز والمذهل لمعركة طوفان الأقصى التي فاجأت العالم أجمع وعلى رأسه أميركا راعية الكيان الصهيوني، تمت بصورة مباغته ومتقنة جداً، بعد أن أفشلت كافة البرامج الاستخباراتية والأمنية والعسكرية، لكن الأغرب من ذلك هو أنها لم تكن ممكنة بدون التمهيد الذي قامت به الولايات المتحدة الأميركية للبيئة الحاضنة لفصائل المقاومة في المنطقة، كنتيجة عكسية لخططها وبرامجها التوسعية الاحتلالية التي كانت تهدف بالأساس الى إنهاك وتدمير الدول القوية المحيطة بالكيان الصهيوني من أجل أن يكون الكيان هو الأقوى المهيمن والقائد للمنطقة.
لكن خطط أميركا جاءت بنتائج عكسية تماماً، فلقد أدى تدمير بعض الدول العربية التي كان يُعتقد بأنها تهدد الكيان الصهيوني وتحويلها الى دول ضعيفة مفككة، بل وفاشلة في بعض الحالات، إلى اتاحة المجال للتنظيمات والفصائل السياسية والعسكرية المناهضة للتوجهات والسياسات الأميركية بالتمرد على الدول التي تنتمي إليها، بعد أن ساهمت أميركا في تكسيرها وتفكيك القوات المسلحة لهذه الدول، وقد أتاح ذلك قدراً واسعاً من حرية التدريب والتسليح لهذه التنظيمات، وفيما فرضت أميركا حصاراً شاملاً ضد إيران طول أكثر من 45 عاماً بهدف إضعافها كي لا تشكل تهديداً جدياً ضد الكيان الصهيوني.
لقد أصبحت ايران التهديد الأول للكيان الصهيوني في المنطقة، ولم تكتف بالتهديدات غير المباشرة بل ساهمت في تعزيز دور التنظيمات المقاومة المناهضة للكيان الصهيوني والمستعدة لمقارعة وقتال جيشه بصورة مباشرة، حتى أصبح الصراع المباشر وغير المباشر واضح جداً بين إرادتين سياسيتين، الأولى تمثلها أميركا وأذرعها المليشياوية، وتهدف بالأساس لحماية الكيان الصهيوني، والثانية التي تمثلها إيران وأذرعها المسلحة والتي تهدف بالأساس إلى مواجهة الكيان الصهيوني.
وبينما قامت أميركا مع سبق الإصرار والترصد بتدمير الدول المحيطة بالكيان الصهيوني بصورة إقتصادية، كما فعلت مع كل من مصر والأردن، حيث اثقلتهما بالديون والأزمات الإقتصادية وشغلتهما بمشكلاتهما الداخلية، كما أنها قامت عسكرياً بتدمير العراق وأطاحت بنظامه السابق وحلت جيشه وقواته المسلحة، ثم تفرغت لسوريا فدمرتها بشكل كامل وأسقطت جميع مقوماتها كدولة مستقلة، بل ومارست احتلالاً مباشراً لكلا الدولتين من خلال القواعد العسكرية المنتشرة في العراق وسوريا، حتى باتت هاتين الدولتين غير قادرتين على حماية حدودهما من التنظيمات الارهابية التي أسستها أميركا في المقام الأول، فماذا كانت النتيجة.
لقد توهمت أميركا بأنها ستتمكن من القضاء على اي تهديد عربي للكيان الصهيوني من خلال تفكيك الدول القوية، ولضمان ذلك الوهم عمدت الى تأسيس تنظيمات ارهابية تعمل على تفكيك الدولة العراقية والدولة السورية لاشغالهما بمكافحة هذه التنظيمات الإرهابية، لكن هذه الأذرع العسكرية التي يتم تمويلها ودعمها لوجستياً ومدها بالسلاح والعتاد والدعم التقني، ونقل مقاتليها عبر الطائرات والهليوكبترات الأميركية وعلى رأسها داعش والنصرة وأحرار الشام والجيش الوطني الحر وغيرها من التنظيمات، لم تتمكن من تنفيذ المخطط المطلوب، بل إنها فشلت في تقديم البدائل للدول التي أسقطتها أميركا، حتى أصبحت عبئاً على أميركا ذاتها بدل أن تكون عوناً لها، فما كان من أميركا سوى الإدعاء بمحاربة هذه التنظيمات مقدمة ذلك كمبرر لاستمرار بقائها في المنطقة بحجة محاربة الارهاب.
وعلى الجهة المقابلة فإن إسقاط الدول القوية في المنطقة (العراق وسوريا تحديداً) على يد أميركا قد ساهم في تسهيل قيام التنظيمات المقاومة المعادية لأميركا وهكذا نشأت فصائل سياسية وعسكرية تم الترويج بأنها اذرع مباشرة وعميله لايران في المنطقة، وعندما وقعت المواجهة بين (أذرع أميركا العسكرية الارهابية) و (أذرع إيران العسكرية المقاومة) كانت الغلبة لفصائل المقاومة التي وجدت نفسها مدعومة بمقدرات وإمكانات هائلة وتقف الى جانبها وتسندها شعوب حاضنة تتوق إلى مواجهة وإفشال المخططات الأميركية الاستعمارية في المنطقة.
لقد أدى ذلك إلى أن أميركا استبدلت أنظمة دول كان يمكن تكبيلها بالاتفاقيات والقوانين والقرارات الدولية وتخويفها بالتهديدات والحصار الاقتصادي والعسكري، بتنظيمات مقاومة متحررة من هذه القوانين والقيود، قادرة على التحرك السريع والفعال ضد المخططات الاستراتيجية الأميركية في المنطقة بكل أريحية، حتى إذا اشتد عود هذه التنظيمات وتمكنت من مراكمة الخبرات العسكرية وتوفير السلاح والعتاد والإرادة، أصبحت قادرة على التنسيق فيما بينها لتشكل تحدياً جدياً ضد الكيان الصهيوني الذي سعت أميركا لحمايته طوال أكثر من 75 عاماً، وفي هذه الاجواء المواتية شنت كتائب القسام وسرايا القدس وغيرها من التنظيمات الفلسطينية المسلحة معركة طوفان الأقصى الذي شكل نقطة التحول الكبرى في موازين القوى، مستندة الى دعم كبير من مختلف فصائل المقاومة في المنطقة التي برزت على انقاض الدول التي دمرتها اميركا، فهل حفرت أميركا قبر الكيان الصهيوني، ذلك ما سنفصل فيه في المقال التالي وللحديث صلة.