هل حقا انهارت المصالحات العربية وبين السعودية وإيران؟

ميخائيل عوض

سبق اعلان السفارة السعودية لرعاياها في لبنان- وليس فيه من رعايا سعوديين أو بحرينيين- وشاع خبر بلا مصدر عن إبلاغ السعودية سورية بوقف إجراءات المصالحة والتطبيع واستنكاف السعودية عن إعادة سفارتها، واتبع التسريب فاقد المصدر والمصداقية بأخبار عن تأزم العلاقات السعودية- الإيرانية وتعليق تطبيع العلاقات. وبدأ النافخون برماد الفتن بث السموم والتهويل، وحشدت أخبار وتحليلات ودراسات  اتخمت الوسائل والوسائط لإشغال البال.

بيد أن كل ما قيل ويقال لم يستند إلى وقائع صلبة أو مصادر رسمية معروفة أو ذات مصداقية، ولا عولجت الأمور بتحليلات باردة وعاقلة. وبما أن الناس والبلاد مأزومة حتى الثمالة، فالمنطقي أن تنشد الانفراجات وترغبها بسرعة البرق، كن فيكون، والجميع يأمل بعد طول معاناة وضغط الأزمات أن يبدأ بالمصالحات زمن الانفراجات ويستعجلونها.

سرت الأكاذيب والأوهام سريان الماء في الوديان وما زال الحبل على غاربه.

في المعطيات المادية الواقعية الصلبة، لا شيء يخيف، وليس من تعطيل للمصالحات ومن عاشر المستحيلات عودة عقارب الساعة إلى الوراء.

فقد أسست المصالحات العربية وبين السعودية وإيران وبرعاية صينية على أرض صلبة، وفي بيئات جدآ مناسبة، وبعد تحضيرات جدية وعلى زمن طويل، وشكلت المصالحات نقطة بداية نوعية لتحقيق انجازات وتحولات فرط استراتيجية، وأصبحت واقع معاش وملموس يستحيل الانقلاب عليها، أو إعادة تغير الاتجاهات، وليس من قوة قادرة على عكس الإتجاه، ولن يفيد ضخ المعلومات والتحليلات والأمنيات والأوهام في العالم الافتراضي ومهما بلغت من ذروة لن تترك أثرا في الواقع المعاش.

الحقائق المعاشة تفيد ب :

– محمد بن سلمان قاد تغيرا جوهريا في السعودية واسرتها ونظامها وأنجز تصفية الوهابية ورعاتها، واقصى كتل وتيارات في الأسرة والأجهزة شبت وشابت على الولاء للأميركي وتنفيذ الأوامر من دون نقاش ، وانخرطت ومولت حروب أميركا في العرب والمسلمين من دون مصلحة أو جدوى.

وبعد أن اكمل خطته لإعادة هيكلة الدولة والعلاقات في الأسرة والدولة، وأطلق مشروعه لعصرنة وتحضير السعودية، وأعلن مشروعاته الطموحة في خطة السعودية 2033 وبتقانة ومعرفة تسجل له قرر التصالح مع إيران بعد 45 سنة من الحروب العبثية والتدميرية، وفي كل الجولات خسرت السعودية وأميركا المعارك.

جاء قرار بن سلمان عن وعي ومعرفة وبعد تجارب مريرة ومعرفة عميقة بأميركا وأزماتها ومشاريعها وتخليها عن الحلفاء، فتجربة أفغانستان طرية وطازجة. وجاء قراره واعيا عارفا ما يرتبه من تغيرات وما يستدرجه من عدوات، والأهم بفعلته أنها جاءت بعد أن امن نفسه ومشروعه اولآ في السعودية ومن ثم أسهم في إطلاق دور ومكانة للصين، لم يسبق أن حصل منذ بدء التاريخ وفي خلفية المشهد والتحضيرات والانجاز تقف روسيا وبوتينها القائد الفذ الثابت، أنه القادر والساعي إلى إنهاء ودفن العالم الأنكلو- ساكسوني والمبادر من أوروبا والحرب الأوكرانية إلى السيطرة على القطب الشمالي وتحقيق المفاجآت في أفريقيا، والساعي إلى تمكين الكاريبي وأميركا اللاتينية.

– ساذج ولا يعرف شيء من يفترض أن ابن سلمان انفتح على سورية وفرض رئيسها نجم قمة جدة، من دون أن يتحسب لردود الفعل الأميركية. وأكثر سذاجة من ما زال مقتنع وأو يروج أن التطورات في المصالحات جاءت بطلب وبسماح أميركي ولتحقيق غايات واستراتيجيات أميركية حصرا.

وواهم ومهرول من افترض وروج لانعطافه سعودية وقبول أبن سلمان التطبيع مع إسرائيل بمجرد أن زارتها وفود أميركية ولرغبة عند بايدن لإنقاذ إسرائيل وانقاذ شعبيته المنهارة عشية الانتخابات الرئاسية.

فسرعان ما تبخرت الحملة وانحسرت وستلحق بها واسرع انحسار الحملة الزاعمة بانهيار المصالحات وأو بهجوم اميركي مضاد في سورية ولبنان والعراق وباستهداف إيران، فقد زال وتبخر زمن الأوهام بقدرات أميركا وجاهزيتها للحروب بعد خساراتها المتتالية في كل مكان وانحسار نفوذها المتسارع.

وعليه، يمكن التأكيد على أن المصالحات أنهت قرن من الاشتباك العربي- العربي، ونصف قرن من الإسلامي- الإسلامي استهلكت بشر وتحالفات وعمران، وانهكت كل الأطراف، فالمصالحة  تشكل انعطافة حادة وتغير الاتجاه وبمثابة نقطة ارتكاز لتحولات متعاظمة بما فيها استيلاد  دور عالمي هجومي للصين وتقدم للنفوذ الروسي وتعاظم البريكس وشنغهاي، وكل ذلك على حساب ما كان من تفرد وسيطرة وهمجية أميركية أطلسية، وقد قررت حاجات الأزمنة والجغرافية وحقائقها هذه المعطيات والوقائع، وأطلقت التحولات النوعية ومثلت المصالحات لحظة التحول من التراكمي إلى النوعي.

بيد أن سورية وإيران والسعودية ورعاة المصالحات الصين وروسيا لا يطلبون الأمر قبل أوانه، ولا يفرطون بقيمة وفاعلية الزمن ومراكمة التحولات بهدوء وبلا ضجيج إعلامي، والجميع لا يستعجلون الاشتباك المباشر مع أميركا، وقادرون على المناورة والتطمين واحتواء وهضم التهديدات الأميركية بتبريدها والانقلاب عليها.

لكل امبراطورية باغية زمن وصلاحية، وبما أن أميركا والأطلسي في قلب أزمات اقتصادية عاصفة، ودنت سنة الانتخابات الأميركية، وستدخل اميركا سنة الغيبوبة، فليس من مصلحة للاستعجال ولتظهير الاتفاقات والعلاقات التي تتعمق وتجري سلسة في الظل وتحت الطاولات، وعندما يحين الموعد المناسب ستكون المزيد من المفاجآت والأحداث غير المتوقعة.

كما كان إعلان المصالحة السعودية الإيرانية، من بكين وبدون استخدام اللغة الإنكليزية في التفاوض والمؤتمر الصحفي، فقد جاء الإعلان توقيتا ومكانا وشكلا ومضمونا مفاجئا كصاعقة، فمن غير المستبعد أن تكون الأحداث والتطورات المرتقبة في تلميع وتطوير العلاقات السعودية الايرانية والعربية السورية مفاجئة عندما يحين الوقت وتنضج الظروف.

فإن غدآ لناظره قريب.

وليشرب المراهنين الواهمين على فشل المصالحات البحر وليزداد عطشهم لماض درس ويسارع إلى زاوية النسيان.

الزمن يجري… وما بات فات … وغدا هو مبتغى البشرية والشرق جهتها حيث تبزغ الشمس.

فلا شيء يشي بتأزم العلاقات الإيرانية السعودية ولا خوف على المصالحات العربية.

أجواء برس

“أجواء” مجموعة من الإعلام العربي المحترف الملتزم بكلمة حرّة من دون مواربة، نجتمع على صدق التعبير والخبر الصحيح من مصدره، نعبّر عن رأينا ونحترم رأي الآخرين ضمن حدود أخلاقيات المهنة. “أجواء” الصحافة والإعلام، حقيقة الواقع في جريدة إلكترونية. نسعى لنكون مع الجميع في كل المواقف، من الحدث وما وراءه، على مدار الساعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى