الاعتداء على الرموز الدينية وتدنيس المصحف الشريف… المقاصد والتداعيات

إنها عقدة أطلق عليها علم النفس اسم «عقدة هيروستراتوس» تبعاً للرجل الإغريقي الذي دخل التاريخ في القرن الرابع ق. م. بارتكابه اعتداءً على تحفة من تحف عصره ومقدسّاته، وذلك بحرقه معبد مخصّص للإلهة الإغريقية آرتميس في مدينة إفسوس أو أفسس، تقع في ما هو اليوم محافظة إزمير التركية وهو معبدٌ كان الإغريق يعدّونه من عجائب الدنيا السبع. وقد تباهى هيروستراتوس بفعله، شارحاً أنه ارتكبه سعياً وراء الشهرة وخلود الذكر.

يختصر العالم الانثربيولوجيا الاوفر شهرة ايمانويل تود المسألة بقوله؛ اذا كان للمرء ان يزدري دينه فليس من حقه ابدا ان يزدري اديان وعقائد الاخرين.

وفي كتابه كلنا شارل ابيدو؛ شرح بإسهاب الاسباب والشروط الموضوعية والثقافية والسياسات التي اعتمدنها الحكومات والطبقات المسيطرة لتغذية الاسلاموفوبيا في فرنسا والغرب، واشار بوضوح الى ان ازدراء اديان الاخرين هو بمثابة تعبير مكبوت على ازدراء المسيحية وطوائفها وتعبير عن عنف الليبرالية الفردانية وتوحشها التي اجتاحت اوروبا والغرب تحت تأثير القيم الانكلو ساكسونية.

منذ عقود التهبت اوروبا بمرض الاسلاموفوبيا، وصب الزيت على نارها عملية ١١ ايلول ٢٠٠١ في امريكا التي سارعت لإعلان الحرب العالمية والشاملة على الاسلام والعرب، وسمى بوش غزوته لبغداد بالحرب الصليبية، وزاد اوارها تصاعد وعصف ظهور مجاميع ومنظمات الاسلام السياسي و المسلح، واحتلالها المسرح السياسي والعسكري العالمي مع تصاعد دور حركة الاخوان المسلمين باتفاقاتها مع امريكا والأطلسي واسرائيل التي غذت بصورة دراماتيكية الارهاب الاسود والمتوحش وتبنت فصائله وشكلت الوية وجيوش اسلامية مسلحة في طول بلاد العرب والمسلمين وعرضها وحولت ليبيا وسورية والعراق واليمن والسودان الى مسارح ومنصات حروب داخلية بتمويل امريكي خليجي وبدور قيادي لتركيا اردوغان وتصاعدت اعمال العنف في الغرب عبر الوحوش المنفردة وغالبهم من اتباع الديانة الاسلامية ومن العرب والاوسطيين، وتظافرت السلفية الجهادية العالمية مع حركة الاخوان بتسعير الحروب واعطائها طابعا اسلاميا، وارتكبت جماعات الارهاب الاسود ما يندى له الجبين في حق الجميع وخاصة بحق المسلمين السنة انفسهم الذين عارضوها او لم يلتحقوا بركبها وشكل الصراع المستمر بين النصرة وداعش والقاعدة علامة بارزة واستهلكت حروبهم العدد الاكبر من الضحايا وتدمير البنيان.

هكذا تهيء المسرح وتوفرت البيئة لتصعيد ما سمي بحرب الحضارات التي سبق لمنظري امريكا والليبرالية ان بشروا بها بعد سقوط الاتحاد السوفيتي لتامين فرص العسكرة والحروب والغزوات والاحتلالات.

وفي سياق السعي لتصعيد العداء للعرب والمسلمين والاسلام وصب الزيت على الاسلاموفوبيا في الغرب التي تغذيها الحكومات والطبقات والمنظومات المهينة والسائدة لإشغال مجتمعاتها بصراعات ثانوية تهربا من معالجة الازمات البنيوية التي تضربها  او بذل الجهد لترميم تصدعات المجتمعات جراء اعتمادها نموذج الليبرالية الانكلو ساكسونية وسحق الطبقات الوسطى والفقيرة والانقلاب على دول الرعاية والتسليم ببيع السيادات والاستقلال والتسليم بالهيمنة والاملاءات الامريكية.

كما وفر الاعلام المدفوع والهادف الاجواء والبيئات لتصاعد الاعتداءات على الرموز الدينية الاسلامية خاصة ونشر الرسوم المسيئة للرسول وحرق المصحف الشريف او تدنيسه والكثير من هذه الاعمال المشينة والمرذولة تمت بتوجيه اجهزة وحكومات وبقصد قاصد ولتحقيق غايات بعينها .

فما المقصود ؟ ولماذا ومن يقف خلفها ؟ وما الذي ستحققه؟؟

–        كما جاء في المقدمة من قصة عقدة هيروستراتوس توصيفا لمعتوه وساع الى الشهرة الشخصية بلا اية دوافع او دافعين قام في زمنه المغرق بالقدم بازدراء لأديان ورموز دينية كذلك يبدو العراقي التافه الذي ارتكب فعلة حرق المصحف في السويد ساع الى الشهرة الشخصية.

الا ان الفارق بين حادثة في الأزمنة الغابرة وحرق المصحفاليوم يكمن في تبني الحكومة السويدية والحكومات الغربية والسماح بالأفعال الشنيعة بذريعة الحريات واحترامها والوهدة الزمنية بين تلك الحادثة وحادثة اليوم فلكية وكذلك وعي البشر ومنظوماتهم الفكرية والثقافية وما بلغته البشرية من عصرنه وثورات تقنية وتواصلية وتعارف ما يجعل حرق المصحف الشريف في السويد امرا مقصودا وتقف خلفه اجهزة وحكومات وان نفذها معتوه ساع الى الشهرة كما تدل سيرته عندما كان في العراق.

–        هي في جانب تعبر عن حالة الاحتقانات والازمات في المجتمعات الاوروبية  وتبطن ازدراء قطاعات من شعوبها وحكوماتها لأديانهم ومعتقداتهم، اسوة بتشريع المثلية والالحاد، وهذه الممارسات تتقصد التطاول على حقوق الاخرين واديانهم ومعتقداتهم وازدرائها عن غير وجه حق او ذريعة.

–        بعيدا عن ان الافعال المدانة تعكس رغبة الطبقات المسيطرة والحكومات لحرف الانظار عن ازماتها واشغال مجتمعاتها بقضايا وازمات ثانوية وتسعير العداء للجاليات الاسلامية والعربية هي ايضا محاولات لاستفزاز الجاليات ودفعها للعزلة والتقوقع  والانخراط بحروب دينية وزيادة مناسيب التشققات الداخلية في بلاد العرب والمسلمين والدفع بحروب الهويات والعقائد لتامين الحماية للعقيدة الليبرالية المدمرة للحياة البشرية على وجه الكوكب وهي في حقبة تأزمها واستنفاذ مشروعياتها وانكشافها على اللصوصية والتوحش الاسود.

–        الا ان اللافت في الاوضاع الجارية خفوت الاصوات الشعبية والفصائلية والحكومية للغالبية العظمى من الدول الاسلامية السنية. فلم تخرج عن الحكومات او الاحزاب او دور الافتاء او المراكز الدينية السنية بما في ذلك المنظمات الاقليمية والدولية ذات الاسماء الاسلامية، اية ردود فعل جادة، ولا هددت اي من الجهات بالرد وباتخاذ إجراءات رادعة وكان الاعتداء على الرسول وعلى المصحف امر عابر لا يثير الغضب ولا يستلزم الاجراءات الرادعة. وكان لافتا ان الجهة الوحيدة التي جاءت ردود فعلها نارية وحازمة هي الطائفة والمذاهب الشيعية في العراق وعبر كلام الامام الخامنئي الذي رفع المنسوب لاعتبار الدول التي تحمي مدنسي المصحف دول تعلن الحرب على الاسلام وما جاء على لسان السيد حسن نصرالله في خطبته العاشورائية التي طالب فيها بحزم  الدول والمنظمات الاسلامية باتخاذ موقف جاد ولاجم والا فناشد الشباب المسلم اينما كان وبغض النظر عن مواقف الحكومات والمؤسسات الدينية ان يتنصروا لدين الله ورسوله ومصحفه.

ما يطرح الكثير من الاسئلة والملاحظات التي تستوجب بحثا عميقا ومدققا؛ فهل اقتصرت مهمة الدفاع عن الرسول والمصحف والاسلام على الشيعية السياسية وحدها دون سواها من الطوائف والمذاهب الاسلامية؟؟ وما الذي اقعد السنة والاخرين عن المهمة؟؟

والأسئلة تستدرج سؤال؛  هو موضوعة بحثية ايضا فما سر ان الارثوذكسية الروسية تتصدى بحزم للمثلية وترويج القيم اللادينية والالحاد بينما تصمت الطوائف والمذاهب المسيحية الاخرى وفي الدفاع عن الإسلام تتقدم ايران والطائفة الشيعية ؟؟ وهل من روابط ودلائل لتلازم المسألتين؟؟

–        اذا كانت عمليات الاساءة للإسلام ورموزه التي اعقبت اعلان امريكا الحرب العالمية والصليبية على العرب والاسلام قد ادت وظيفتها باستنفار واستنهاض دول وجماعات الاسلام السياسي والعسكري السنية، ما مكن امريكا تفويضها بحروب تدمير المجتمعات والدول العربية. فالإساءات اليوم تنهض بالشيعية السياسية للدفاع عن الاسلام ودلتها ومنظماتها ابعد ما بكون عن تخديم الاستراتيجيات والمشروعات الامريكية الاسرائيلي… فما الفائدة مها ولماذا تسعرها الاجهزة والحكومات الغربية؟؟

وهل تستهدف استدراج ايران والفصائل الشيعية للمواجهة بعد ان تخلى الاسلام السياسي والعسكري السني عن مهمة حماية والدفاع عن الاسلام ورموزه المقدسة، وتاليا هل بين الاهداف استدراج ردود فعل غير محسوبة في المجتمعات الغربية بقصد تفجير صراع مع الجاليات الاسلامية والعربية وتحميل ايران والفصائل الشيعية المسؤولية؟؟.

كيفما جرت الامور وكيفما جاءت النتائج فالاعتداء على المقدسات وازدراء الاديان والرموز المقدسة عند شعوب هو عمل جبان ومدان واعتداء سافر على الحريات والمعتقدات وعلى حقوق الانسان والشرعات الارضية والسماوية ولابد من التصدي لها ووضع القوانين والضوابط التي تمنعها وتعاقب من يرتكبها.

فحق الانسان بمعتقده ورأيه حق قدسته الاديان وايدته شرعة حقوق الانسان ولا يجوز التطاول عليها من اي كان وباي ذريعة.

فالبشر يولدون بمشيئة خالقهم متساوون واحرار وليس لأية قوة ان تسلبهم حقهم في التفكير والاعتقاد والايمان الحر.

 

هناء حاج

صحافية لبنانية منذ العام 1985 ولغاية اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى