البطلة الأولمبية غادة شعاع لـ”أجواء برس”: “تابعت أولمبياد 84 وأنا طفلة..وفي أولمبياد 96 صرت أنا النجمة”
كنت أتدرب 8 ساعات يوميا.. وبكيت وتألمت وتحملت حتى عانقت "المجد" الأولمبي
سامر الحلبي
عندما تواصلت مع البطلة الأولمبية السورية غادة شعاع لإجراء حديث صحافي عن أمور يجهلها الكثيرون عنها، رحبت وأبدت كل تجاوب واتفقنا على يوم لإجراء الحوار؛ وتشعر من خلاله عن مدى شغفها بالرياضة والخلفية التقنية التي تمتلكها لتطلعك على أدق التفاصيل وعن سلاسة الحديث معها، ولكن المفاجأة كانت في نهاية الحديث عندما ذكرت بأن هذا اليوم أي 20 أيار/مايو هو ذكرى نجاتها من حادث سيارة كاد يودي بحياتها لولا تدخل العناية الإلهية.
تقول شعاع في بداية حديثها “تعلقت بالرياضة بشكل عام منذ طفولتي حين تابعت أولمبياد لوس أنجليس على وجه التحديد عام 1984 وصار عندي إصرار وعزيمة لممارسة ألعاب القوى وحلم بأن أكون أنا نجمة الأولمبياد يوما ما، وكنت يومها أشارك في نشاطات المدرسة والشبيبة وكان الدعم الأساسي يأتي من الأهل ومن المدرب أنس لافي كذلك مارست لعبة كرة السلة لسنوات عديدة وشاركت مع منتخب بلادي في الدورات العربية ونلت لقب أفضل هدافة في إحداها ودافعت عن ألوان فريق الجلاء محليا كما شاركت مع فريق الثورة في بطولة خارجية وتلقيت عرضين من الخارج للعب مع الزيتونة التونسي وفريق وداد بوفاريك الجزائري”.
وتتابع “حبي للتحدي وشغفي بألعاب القوى دفعاني للتخصص برياضة السباعي لأنها تعطي القوة وتدفع المرء لأن يكون قويا ويتحدى ذاته ليصل إلى ما يصبو إليه وهكذا كان، فبدأت بمعانقة المجد في بطولة العالم في السويد عام 1995 وقبلها بدأت ألمع وأتألق من خلال بطولة آسيا في الفليبين عام 1993 والعديد من المشاركات لأن العمر التدريبي وهو 10 سنوات الذي واظبت عليه بجد ومثابرة كان قد بدأ يعطي ثماره فكانت النقلة النوعية في هيروشيما عام 1994 عندما حققت رقما جديدا على المستوى الآسيوي وانتقلت للمنافسة في بطولة النوايا الحسنة في سانت بطرسبورغ التي تضم نخبة الرياضيين على مستوى العالم وانتزعت المركز الثالث؛ هنا بدأت الصحافة العالمية تتحدث عن بطلة سورية إسمها غادة شعاع ستقتحم عالم ألعاب القوى بقوة وبالفعل انخرطت في معسكرات محلية وخارجية في إيطاليا وغيرها من الدول الأوروبية قبل أن اتواجد في لقاء غوتسير النمسوي الذي هو محطة من بطولة الجائزة الكبرى للسباعي والعشاري وفزت بالمركز الأول وكان هذا الفوز “وجه الخير” قبل الانطلاق إلى بطولة العالم في السويد في شهر آب/أغسطس 1995 ويومها كانت فرحتي لا توصف عندما اعتليت منصة التتويج والميدالية الذهبية تلف عنقي، فكانت لحظة تاريخية لن تمحى من الذاكرة ولكن ما لا يعرفه الكثيرون هو أن غادة كانت تتدرب 8 ساعات يوميا بجد وصبر كانت هذه الساعات ممزوجة بالألم والتحمل والعرق والبكاء والابتعاد عن الأهل والانقطاع عن الأقارب حتى أصل إلى مرادي لأنني عقدت العزم على رفع علم بلادي عاليا وعلى الفوز مهما كان الثمن فالمجد لا يليق إلا لأصحاب العزيمة والإصرار، وأثبتت أنه لا يوجد مستحيل في عالمنا، والسيد المسيح ومريم العذراء كانا بقربي إلى كل الصلوات والدعاء من الأهل والمحبين”.
معانقة المجد الأولمبي
بعد هذا الانتصار المدوي كبرت آمال وفرص شعاع بانتزاع ميدالية في أولمبياد أتلانتا 1996، فالطفلة التي كانت تتسمر أمام الشاشة الصغيرة لمتابعة أولمبياد لوس أنجليس 1984 كبرت وستصير هي الحدث بحد ذاته في أتلانتا وستكون قبلة الأنظار لأكثر من ثلاثة مليارات متفرج ستشخص ابصارهم خلف الشاشة لمتابعتها.
قبل أولمبياد اتلانتا بشهرين شاركت شعاع في لقاء غوتسير في النمسا وسجلت أفضل رقم شخصي لها (6942 نقطة) يذكر أن الرقم القياسي العالمي هو (7291)، وكانت شعاع قلما تظهر في الإعلام أو في المؤتمرات الصحافية لأنها كانت تثق بقداراتها ونفسها وكانت تجيب على أسئلة الصحافيين “أنا هنا لست موجودة للكلام مع احترامي لجميع المشاركات والكل يرشحني للفوز ومعروف مسبقا من هن المنافسات..”.
وتقول شعاع “كانت لحظة صعودي على المنصة والتتويج بالميدالية الذهبية أجمل لحظات العمر، وبعد مرور 26 عاما، لا زالت أشعر بأنني توجت يوم أمس، هناك شعور جميل يخالجني لأنك إذا ما أردت الوصول إلى القمة فعليك أن تتعب وتصبر وتتحدى كل شيء وأن تكون استثنائيا بعملك، وكل إنجاز يختلف عن إنجاز آخر”.
التكريم من الرئيس حافظ الأسد
بعد كل ما حققته شعاع من إنجازات استثنائية وكبيرة كان لا بد من تكريم رسمي يليق بهذه الإنجازات.
وتقول شعاع “أبرق الرئيس حافظ الأسد لي مهنئا ومباركا بهذا الإنجاز ولكنني لم أتلق أي مكافأة مالية أو منزل أو سيارة كما كتب على صفحات الجرائد وتم تداوله في الإعلام، إذ بقي تكريم على صعيد الإعلام، ولو كان الأمر صحيحا كنت قد أعلنت عنه بل كان يشرفني ويسعدني بأن أتكرم من سيادة الرئيس الأسد”.
وعن عدم ظهور أبطال وبطلات جدد في سورية تعزو شعاع ذلك إلى الأخطاء في التخطيط الصحيح في الاتحادات السابقة وعدم الجدية في المتابعة لأنه ينبغي أن تكون هناك أكثر من غادة شعاع في زماننا، وهذا أمر يسعد شعاع نفسها كما قالت، وتشير “ألعاب القوى عندنا ليست بخير وكان لدينا مواهب أكثر في التسعينات ومطلع الألفية فما الذي حصل..؟ وألمانيا خرجت بعد الحرب العالمية الثانية وانتزعت لقب كأس العالم 1954 بسبب التخطيط السليم”.
رياضتنا ليست بخير
ترى البطلة الأولمبية غادة شعاع أن العالم العربي يشهد تراجعا كبيرا اليوم في رياضة “أم الألعاب” أي ألعاب القوى وباتت الرياضة في أوطاننا لا تطعم خبزا، حتى على مستوى البلدان التي كانت رائدة في هذا المجال كالمغرب وتونس والجزائر بات الرياضيين يفضلون السفر والهجرة إلى الولايات المتحدة وكندا وسواهما لأنهم يشعرون بأنهم في المكان المناسب، ولأنه في أوطاننا العربية “بينسوك وبيشلحوك” حسب رأي شعاع ولغياب الأمان الذي يحتاجه كل بطل يساهم في رفع علم وطنه وخصوصا بعد اعتزاله فهو بحاجة إلى الرعاية والاهتمام وتأمين حياة لائقة.
وتقول شعاع “مع الأسف هناك أبطال عاشوا بقية حياتهم فقراء وماتوا مذلولين.. وهناك للأسف مسؤولين عن الرياضة لا يفقهون أي شيء.. ورياضتنا ليست بخير ولا أريد أن أزيد”.
ظاهرة التجنيس
لا تعتبر شعاع ظاهرة تجنيس العداءين الأفارقة من قبل بعض الاتحادات الخليجية ظاهرة صحية لأن “العربي يبدو مستعجلا”، فهل هذا التجنيس سيوصل إلى الهدف المنشود بهذه السرعة ولأنه لا نملك الثقة بأنفسنا على حد تعبير شعاع، وتقول “بدل التوجه إلى التجنيس لماذا لا نؤسس اكاديميات للأولاد في هذه الدول ونحضر الأبطال الذين ننوي تجنيسهم من كينيا على سبيل المثال ونضعهم في خدمة الناشئين ويقومون بتدرييهم وصقلهم ليصير عندنا جيل كامل من أبطال المستقبل، أنا أحترم قرار البحرين ولكنني مقتنعة بأن هذا العداء الافريقي المجنس لا يتقن أبسط جمل اللغة العربية”.
العمل في السعودية
تعيش غادة شعاع في ألمانيا منذ سنوات طويلة ومؤخرا تم تعيينها مستشارة فنية ومدربة ومشرفة على كافة اتحادات ألعاب القوى التي تختص بالمراة في المملكة العربية السعودية كما تتولى تدريب المنتخب الوطني النسوي، وهي تتنقل بين السعودية وألمانيا.
فتقول “منذ 5 أشهر تسلمت مهامي في السعودية ويتم تجهيز البطلات بشكل جيد ومدروس استعدادا لدورة الألعاب الآسيوية في المملكة عام 2034، وهنا لمست انفتاحا كبيرا وطفرة في المواهب والخامات الواعدة، ومنذ أيام قليلة عدنا من مشاركتنا في دورة الألعاب الخليجية الثالثة في الكويت وحصد المنتخب السعودي ثلاث برونزيات وهذا اعتبره أمرا طيبا من المشاركة الأولى”.
عادت من “الموت”
في 20 أيار/مايو 1998 تعرضت شعاع لحادث سير كاد يودي بحياتها على أحد طرقات ألمانيا حين كانت عائدة من علاج تأهيلي فانحرفت السيارة التي كانت تقودها بسبب ظهور غزالين في منتصف الطريق مما اضطر غادة إلى الابتعاد عنهما كي لا يصيبهما أذى، فانحرفت السيارة واصطدمت بالاشجار والصخور القريبة من الغابة ما استدعى بقاء غادة في العناية المركزة لفترة لكن الله سلم ونجت شعاع من الموت وتحسنت حالتها مع مرور الوقت.
هوايات وأمنيات
وفي ختام اللقاء الهاتفي بين لبنان والسعودية تقول شعاع بأنها تمضي أوقاتها في ألمانيا بالمشي داخل الغابات وركوب الدراجة الهوائية لأنها تشعر بالمتعة الحقيقة وتنصح الجميع “الرياضة ثم الرياضة ثم الرياضة”.
وتختم بالقول “أتمنى أن تعود سوريتي الغالية كما كانت وتتعافى ويرجع الخير وتسود المحبة، واتمنى أن يرجع لبنان كما كان وبيروت باريس الشرق وأقول لأهله ومسؤوليه لا تكرهوا بعضكم وكونوا كتلة واحدة تسعى إلى الخير والسلام”.