بحث معمق: فلسطين في انتفاضة ثالثة مسلحة لا سبيل لها إلا النصر والتحرير 2/…
مخائيل عوض
في الظروف والفرص التي أمنت صناعة الكيان الصهيوني وفي البيئات التي وفرت له قدرة التمكن والسيطرة…
بعد أن أتمت الرأسمالية البازغة في أوروبا هيمنها على العالم الجديد “أميركا” وأبادت أقوامه وحضاراته واستعبدت أفريقيا وشحنت الأفارقة في سفن المواشي. فتشكلت أميركا الرأسمالية على قياس ونظام الشركات وقيمها، ولغاياتها، انتفضت على هيمنة الغرب وحررت نفسها لتنشئ نموذجها العدواني. فسعت الرأسمالية الأوروبية إلى البحث عن بدائل لإدامة نهبها وتأمين وفرتها لاستمرار نموذجها وسيطرتها، فوقع خيارها على الاستثمار بالرجل المريض السلطنة العثمانية وباستخدام المال اليهودي المهيمن عالمياً، وفي مراكز أوروبا وحكوماتها، واستخدام اليهود في تأمين منصات سيطرة وتحكم في قلب العالم وصلة الوصل بين أفريقيا العربية وجناحها المتقد والأكثر حيوية في آسيا، فقررت الوكالة اليهودية في مؤتمر بازل 1897 بعد بحث واستطلاع إقامة الكيان المصنع في خدمة الرأسمالية العدوانية الأوروبية في فلسطين، ونصت رسالة الوكالة اليهودية للدول الأوروبية بوضوح عن هدف تصنيع الكيان ووظيفته، بأنه لاحتواء فقراء اليهود وتخليص أوروبا من آثامهم ولإنشاء قاعدة متقدمة لتأمين المصالح الأوروبية. وبواقع أن العثمانية ترهلت وشاخت والعرب جزءاً منها ومن تركتها، بدأت رحلات التوطين في فلسطين ونشطت الوكالة اليهودية في تركيا، وفي العرب ومع إدارات ونظم أوروبا والقوى السائدة، وتم تمويل شراء الأراضي وإقامة المستوطنات وحشد الوافدين، وقد سرعت الحرب العالمية الأولى من توفر الحاجة والظروف لإقامة الكيان المصنع، فكان وعد بلفور، والانتداب البريطاني لفلسطين ومصر والفرنسي لسورية ولبنان، وقص سايكس- بيكو الجغرافية العربية، وأنشأت الدول المنتدبة كياناً قاصرة ومصنعه بما يؤمن المشروع الصهيوني ويوفر شروط تمكنه، واستكملت بريطانيا المهمة بالتعاقد مع الأسرتين الوهابية والسعودية لتمكينها من الجزيرة العربية والخليج حيث النفط المستكشف والفرص والأموال.
وفرت فترة الانتداب والمندوبين كل الفرص والشروط للحركة الصهيونية وأمنتها وحفزتها لشحن المزيد من اليهود وتوطينهم وتسليحهم ورعايتهم، فكما كان شعار استيطان القارة الأميركية تحت عنوان الأرض الموعودة والوعد الإلهي، صارت فلسطين هي أرض الميعاد والفرص، وعلى رغم أن أهل فلسطين والشام لم يستكينوا وقاتلوا الانتداب وثاروا وجاهدوا، إلا أن الزمن والقدرات والشروط لم تتوفر لهم ليستأصلوا الكيان الغريب قبل أن يتمكن وتمكنه الدول الاستعمارية المنتدبة، وتوفر له شروط النجاح والسيطرة، وقد تركت القوات البريطانية الانتدابية قبل رحيلها عن فلسطين الامكانات والسلاح والحاجات للحركة الصهيونية وعصاباتها، ووفرت لها شروط اعلان دولة إسرائيل والعرب في حالة عوز ونقص الامكانات والقدرات والسلاح ومسلوبي الإرادة ومنتدبين وجيوشهم براعم نشأت تحت سلطة الدول المنتدبة لا قوة ولا قدرة لها لمواجهة القوى والعصابات الصهيونية، التي تأمن لها من أسلحة وذخائر وفرص، وإسناد من الدول الغربية صاحبة المشروع وممولة الكيان المنصة لتخديم مصالح، فجرت أحداث المقاومة في 1947 و1948 والمواجهات العسكرية في ظل اختلالات فاضحة في موازين القوى وتنظيم الجيوش وأنواع السلاح وقوى الدعم والإسناد الدولية، وجلها في صالح العصابات والمستوطنين ونتائج الحرب العالمية الثانية، وفرت للحركة الصهيونية فرص إضافية لتسويق كذبة المحرقة، واستدرجت المزيد من الوافدين والمهاجرون اليهود هرباً من الاضطهاد الغربي للجاليات اليهودية التي صنعت لنفسها كراهية الشعوب والمجتمعات بسبب انغلاقيتها ووظيفتها الاقتصادية الاحتكارية والربوية.
لم تقع حرباً عربية صهيونية عام 1948 إنما جرت عملية سلسة للاستلام والتسليم بين جيوش ودول الانتداب والحركة الصهيونية وعصاباتها المسلحة، وما فعله الفلسطينيون والعرب كان بمثابة محاولات للإعاقة والمقاومة بما توفر من متطوعين وجيوش بلا أسلحة ولا هيكليات ولا تنظيم وإدارة، فكانت النكبة وتهجير الفلسطينيين من ديارهم وتأمين السيطرة للعصابات الصهيونية المدججة بالأسلحة والمدربة والمعدة لإنشاء الكيان واغتصاب فلسطين واستيطانها على ما فعل الأوروبيون في العالم الجديد- أميركا.
وبدأت وتأسست حركات نضالية وفصائل فلسطينية وبدأت الكفاح المسلح عبر جناحيها فتح 1-1-1965 وحركة القومين العرب التي تأسست تحت عناوين حديد، نار، ثأر، وأنشات بقرارات الجامعة العربية منظمة التحرير لتكون الشخصية الكيانية الوطنية الفلسطينية، وسرعان أن ردت على هزيمة 67 بمعركة الكرامة في الأردن، التي أثلجت الصدور وأوحت بأن للعرب والفلسطينيين طريقاً آخراً غير النظم والجيوش لإعلان حرب التحرير الشعبية، إلا أن القدر غدر بالعرب ومشروعهم القومي وخطف القائد جمال عبدالناصر قبل أن يكتمل عقد سورية وتتلاقى العقلانية الشامية التي تجسدت بالقائد الفذ والاستراتيجي حافظ الأسد، والعبقرية القومية المصرية التي تجسدت بناصر، وشهدت الأردن ولبنان الاشتباكات والأزمات والحروب الأهلية بحافزية قضية فلسطين والتحرير والتوحيد، وعندما اكتملت خطط وجاهزية الجيشين السوري والمصري، وتم تسليحهما بالأسلحة السوفياتية الحديثة، ومنها سلاح الدفاع الجوي، وحزمت أمرها بحرب تشرين 1973 التي حققت فيها الجيوش العربية انتصارات نوعية في وجه التفوق الإسرائيلي، أسرعت أميركا لإنزال الوحدات العسكرية الأميركية والأطلسية المأهولة، وشاركت في الحرب مباشرة لمنع هزيمة إسرائيل، وكانت قد اخترقت مصر بعقلها عبر السادات الذي غدر بشريكه في الحرب وأوقفها، وشرع بالتحضير للانخراط بالتفاوض والتسوية والصلح، وتفويض أميركا المتحكم والحاكم في الصراع العربي الصهيوني بشعار أن 99% من الأوراق بيد أميركا، وصعدت السعودية بقدراتها المالية الضخمة بنتيجة حرب تشرين واستخدام سلاح النفط واغتيال الملك فيصل وانتداب ملكاً يعمل بالأوامر الأميركية “تفاهمات كيسنجر مع الأسرة السعودية ووضع النفط تحت رقابة الخزانة الأميركية مباشرة” لتسود حقبة التسوية وتهيمن مرحلة السعدنة والساداتية، ويتم الاستفراد بسورية ومنظمة التحرير في بيروت.
هكذا توفرت الشروط والعناصر الموضوعية والتاريخية لتمكن إسرائيل وتفوقها وسيادة الحقبة حتى غزو بيروت 1982، وانتصار الثورة الإسلامية في إيران والشروع في حقبة صعود خيار المقاومة الذي أطلقه وأسسه حافظ الأسد بعد خروج مصر ومشاركة أميركا والأطلسي مباشرة في الحرب، واطلاقه استراتيجية التوازن الاستراتيجي واعتماد خيار المقاومة والبناء، وبناء القوة العسكرية والتحالف مع إيران الثورة الإسلامية..
يتبع…
غداً، واقع عناصر قوة إسرائيل وحالتها الراهنة.
خيار المقاومة يتقدم…