طائفية ومذهبية تقتل ما تبقى

أجواء برس- بيروت

كتبت روان الأسمر

ما يحصل في لبنان ذكرني بمقولة “في وطن يقتل بائع الزهور  على يد بائع الوطن”، يغتال حب الوطن على يد تاجر الوطنية.

في زمن الأمراء حين كان لبنان إمارة “جبل لبنان” يحكمها الأمراء والمشايخ ويأتمر رجال الدين بأمرهم، ليس لأن الأمراء هم السلطة بل لأن البلد هو الأهم. لن ندخل بتفاصيل تاريخية قد يكون بعضها جدلياً ونتهم من كل الجهات عن كيف “كوّن لبنان” و”كيف اخترع نظامه” وووو. لنتوقف هنا ونعود الى أمراء الحرب “لذتهم القتل” وأمراء الطوائف “لذتهم التفرقة” وأمراء المال “لذتهم السرقة”.

حين أسس لبنان “بطريقة حديثة” شرعنت فيها كل أنواع الفساد، تموضع امراء الحرب بلباسهم المدني في أماكن الدولة ومرافقها، استلمت سلطة المال باحكام اعراف المجتمع، “شرعن” الفساد تحت بنود قانونية فصّلت على مقاس كل الزعماء، قوننت الرشى، رسخت السرقات، وجهّر بالطبقية.

قيل إن اتفاق الطائف سيسوي أوضاع لبنان، لكنهم كانوا أذكى من كل أنواع الاتفاقات لأنهم هم من نصّوها ولعبوا على تفاصيلها. حرّكوا البلد كما يريدون.

على مدى ما يقارب 30 سنة زرعوا أغناماً وخرافاً شيمتها الجهل، واليوم يحصدون محصول ما يريدون بعدما نضجت ثمارهم، خلال تلك الفترة، لم يعمل أي من المسؤولين على تطبيق الطائف الذي أسسوه، بل تلاعبوا به، وكلما تنطح من يعارضهم يحملون الاتفاق ذريعة، علماً أن في هذا الاتفاق “البالي” ثغرات منها مخفي ومنها معلن.

إلا أن المهم عند كل الزعماء والأمراء والساسة والاحزاب السياسية والطائفية، مفكرات ليست داخلية اطلاقاً، ولا أستثني أي أحد، خصوصاً من ينتطحون بالوطنية بمفكرات خارجية، من يقولون نحن الأفضل وغيرنا لا. الفوقية بالكلام سمة الجميع، والطبقية صفة الكل. لا أحد يعرف معنى المواطنة ويريد أن يعيشها ويكرسها، واحد يرى في المسيحية خلاص البلد، وليس في الوطنية، وآخر يرى في الاسلام مشروع الأمان، وليس في لبنان، وكثر لا يرون في هذا البلد سوى غاياتهم ومصالحهم، والحجة الأكبر… الوطنية. وفوق كل هذا اعادونا الى زمن القبلية، عادت العشائرية بمفهومها السلبي وليس الاخلاقي، وترسخت الطائفية بمفهومها الاستعبادي وليس الإيماني. وثبتت المناطقية بفهومها التقسيمي وليس الانمائي. وكلها تحت غطاء الغش بالوطنية.

لا أحد يتحدث عن الوطن، كلهم عادوا ونظموا صفوفهم داخل قاعات الدولة بمفهوم تجارة الأوطان، انتظم المسيحيون، وتراصف المسلمون، وانتظم الدروز وتجمع الأرمن، كلهم لمصلحة الدين والمذهبية والحقوق الدينية والغاية مصالحهم، وكلهم لا يفقهون من الصلاة شيئاً، في المسيحية رسالة سلام، والاسلام رسالة سلام وكل الأديان رسائل انسانية جعلها الله بين البشرة رأفة بهم، فنسيوا كلهم أن من في السماء لم يصنّفهم أولياء ورسل على البشر كما هم يريدون.

أما على الأرض فتصارع رجال الدين على حماية فساد اتباعهم- أقول كلمتي ولن أخاف منهم بل من رب خلقني- تنافس رجال الدين “جميعاً” من رأس الهرم الى أسفله، تنافسوا على حماية من صرخ الناس بوجههم وقالوا عنهم فاسدين. لم يقل أحد منهم “لبنان فقط خط أحمر” لنرسل كل الزعماء من دون استثناء الى التحقيق لتتجلى الحقيقة.

المفتي جعل من السنيورة وميقاتي وسلام وغيرهم خط أحمر لحماية السنية السياسية

البطريرك جعل من رياض سلامة حاكم مصرف لبنان وغيره خط أحمر لحماية حقوق المراكز المسيحية

المفتي الجعفري جعل من “علي الخليل وغازي زعيتر” وغيرهما خط أحمر حماية للمذهبية الشيعية

وشيخ عقل الطائفة الدرزية منع التداول بأي اسم لأي زعامة وغيرها كخط أحمر حماية للدروز.

أين خط الوطن في تداولاتهم؟ لا يعرفون الوطن إلا بمصالحهم الضيقة.

ولكن يجب ألا ننسى أنه حين يجتمعون لن يكون لمصلحة وطن بل لمصلحة زعماء وظفوهم ويتحكمون بهم.

 

 

سأطرح أسئلة الناس:

لماذا لم نرَ أو نسمع قادة الأديان السماوية يطلبون العدالة ممن ينتمون اليهم، ومن يتهمون، وليس حمايتهم، لماذا لم يشجع المفتي من اتهم بفساد وهدر المال العام من الطائفة السنية للتقدم الى النيابة والتحقيق معه بشفافية؟ حرصاً على سمعة (الدين).

لماذا لم يعلن البطريرك أنه يرفع الغطاء على كل من فتح ملف فساده من الطائفة المسيحية عامة، الى حين تثبت براءته، احتراماً للدين؟

لماذا لم يتقدم الفتي الجعفري بطلب من الزعامات كشف غطاء الفاسدين، لبراءة الدين منهم؟

لماذا لم يطلب شيخ العقل من كل من اتهم بالفساد كشف أوراقهم حماية للموحدين الدروز؟

والكثير والكثير. ولكن التذرع بالايمان السماوي أفقد الوطن قيمته. وجعل الناس يشحذون على أبواب الكنائس والجوامع والخلوات، استعطافاً، مستعدين للخنوع والخضوع والخشوع للزعماء ليس حباً وإيماناً بالدين السماوي بل من أجل لقمة سائغة يفتقدونها.

ليسامحنا الله فالشعب لم يعد يحبه لأنه لا يعرف الدين إلا بما أملاه عليه رجال الدين كلهم كما يرغب الزعملاء، عذراً أيها الوطن لم يعد شعبك يحبك، فعشق الزعيم أولى.

 

بين القبلية والعشائرية

أما الأنكى من كل هذا، فقد عاوت عادات القبلية الى الظهور في القرن الواحد والعشرين، لم يعد للوطن حسبان، فالقبلية هي الأساس، والثأر هو الأهم، والعشائرية هي الأولى، والوطن في خبر كان.

ما شهدناه في الأونة الأخيرة ليس سوى تخلف من جهّال يسيطرون على كل شيء في لبنان، جهة لا تفقه من الوطن سوى الزعامة وتكسر هيبة دولة، وفئة لا تفقه من الانسانية سوى إثبات قوتها على حساب دماء تنزف يميناً ويساراً. ليس من المهم أن يكون هناك قانون، بل تحقيق كما نريد “نحن”.

من نحن؟ جماعات يرأسنا جاهل يتفلسف.

من نحن؟ جماعات يتزعمنا أمي يتبجح.

من نحن؟ قوم جهالة ندعي الإيمان.

نقتل وندمر ونعتال ونسرق، وليس مهم ما نفعل المهم أن نحقق رغباتنا تحت عباءات مختلفة باسم الدين. والدين له تجاره وزعمائه ورجاله.

عذراً لمن يريد وطناً شعاره المواطن، لأن لا دين له.

أجواء برس

“أجواء” مجموعة من الإعلام العربي المحترف الملتزم بكلمة حرّة من دون مواربة، نجتمع على صدق التعبير والخبر الصحيح من مصدره، نعبّر عن رأينا ونحترم رأي الآخرين ضمن حدود أخلاقيات المهنة. “أجواء” الصحافة والإعلام، حقيقة الواقع في جريدة إلكترونية. نسعى لنكون مع الجميع في كل المواقف، من الحدث وما وراءه، على مدار الساعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى