
لماذا نخضع لابتزاز أميركا؟
بقلم محمد حسن العرادي – البحرين
ليس جديداً ما تقوم به الولايات المتحدة الأميركية من ابتزاز وحصار وحروب تجويع ضد الدول المستضعفة، وخاصة الدول العربية والإسلامية، فقد استمرت أميركا في ممارسة أقصى درجات الضغط السياسي والاقتصادي ضد كل الدول التي لا تخضع لإملاءتها مستخدمة في ذلك كل الوسائل الاستعمارية القديمة والحديثة، في سبيل قمع الشعوب التواقة للحرية والانعتاق من العبودية والتبعية ، الجبارة على القبول بتسليم جميع مواردها وثرواتها الطبيعية بيد أمريكا وشركاتها الاستعمارية.
وعندما أصبحت أميركا الراعي والحامي الأول والأكبر لكيان الإرهاب الصهيوني “إسرائيل” بعد تراجع الدور الاستعماري البريطاني، بالغت أميركا في الترهيب والعنجهية، وزاد الطغيان والغطرسة الصهيونية بشكل غير مسبوق، وبسبب سيطرة اللوبي الصهيونية على مفاصل القرار في مؤسساتها التشريعية والسياسية والاقتصادية، صارت أميركا و”اسرائيل” وجهان لعملة واحدة، فقد تماهت المصالح وتطابقت حتى لم يعد التفريق بينهما ممكناً، فلم تكتفي أميركا باعتبار “إسرائيل” حلفيتها الأولى على مستوى العالم، بل راحت تفضل مصلحتها الكيان حتى على مصالحها أمريكا نفسها، غير عابئة ببقية الحلفاء مهما كان ثقلهم الاقتصادي أو وزنهم السياسي وحجمهم الجغرافي والديمغرافي، وكانت الدول العربية أبرز الخاسرين.
لكن الغريب في الأمر أن عدداً كبيرا من الدول العربية لايزال يراهن على العلاقات المتميزة مع أميركا، التي كشرت عن وجهها القبيح والمنحاز لصالح “إسرائيل” على حساب القضايا والمصالح العربية، ولعل الموقف الأميركي الداعم للإرهاب الصهيوني والمتبني والمشارك في حرب الابادة الجماعية ضد أشقائنا الفلسطينيين أكثر المواقف الأميركية بجاحة ووقاحة وصلفاً، إلى الدرجة التي باتت أميركا لا تكفي فيها بتوفير الغطاء السياسي والحماية الدولية في مجلس الأمن من خلال الاستخدام البشع والمتكرر لحق النقض الفيتو الذي منع توجيه أي نوع من الإدانة ضد الكيان الصهيوني، بل بالغت في توفير أعتى أنواع أسلحة القتل والدمار العسكرية دعماً لحرب الإبادة الصهيونية ضد الأشقاء في غزة والضفة الغربية وكافة الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ولأن الإرهاب والقتل والإبادة الجماعية تجر بعضها بعضاً وتتناسل بشكل مقزز، فقد إستمرت الغطرسة الأمريكية بشكل بشع لتصب الحمم والمتفجرات وكل أنواع القتل على الأشقاء اللبنانيين والسوريين واليمنيين، بحجة وقوفهم إلى جانب أشقائهم الفلسطينيين، ثم تطور الأمر أكبر وأكثر حين شددت أمريكا حصارها على أغلب الدول العربية حتى انهارت الدولة العربية السورية التي كانت داعماً رئيساً للمقاومة في فلسطين ولبنان، فأصبحت أثراً بعد عين تنتهكها القوات الصهيونية صباح مساء وتحتل أراضيها بكل سهولة ويسر بعد أن صارت مرتعاً للجماعات الإرهابية من كل الملل والنحل، تعيث فيها قتلاً وانتقاماً وتصفيات طائفية ومذهبية، حتى غدت سوريا “حارة كل من إيدو إلو كما كان يقول غوار الطوشه في مسرحياته الساخرة”.
وعلى المقلب الآخر، فإن بعض الدول العربية التي إعتقدت واهمة بأنها تستطيع اتقاء شر وإرهاب أميركا من خلال القبول باتفاقيات التطبيع المشينة مع الدولة الصهيونية “ربيبة أميركا ووكيلها المعتمد في المنطقة”، من خلال الخضوع لشروط أميركا التي فُرضت على شكل صفقة القرن والإتفاقيات الإبراهيمية الوهمية وغير المستساغة، لكن القبول بكل هذا الإذلال والمهانة وتقديم التنازلات لم تشفع لأي من هذه الدول المنخرطة في مشاريع التطبيع والخاضعة للمشيئة الصهيونية طوعاً أو كرها، بل أن أميركا بالغت في إبتزاز هذه الدول وإستنزافها حتى غدت واهنة ومستهجنة، مبتلاة بالكثير من الديون وعدم الاستقرار السياسي.
لقد حان الوقت لوقفة عز وسيادة وإحترام، تنتفض فيها الدول والشعوب العربية لنفسها وكرامتها، وتُعيد فيها بناء مواقفها الدولية وعلاقاتها الإقتصادية والسياسية بما يتناسب مع مصالحها وإرتباطاتها القومية والعربية ويحميها، وخاصة حقها في الدفاع عن نفسها اما الهيجان الصهيوني الذي صار يجاهر بخطواته لإقامة دولة إسرائيل الكبرى، بدءاً من تصفية ما تبقى من أراضي الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة التي تنتهكها “إسرائيل” بشكل يومي أمام سمع وبصر شعوب العالم الخائفة من تمدد الصلف والإبتزاز الأميركي الخاضع كلية للمشيئة الصهيونية، وفي أبسط الأحوال منع الدول العربية حتى عن تقديم الماء والغذاء والدواء، من خلال تجرؤها على إيصال الدعم والمساعدات الغذائية والدوائية للمحاصرين الفلسطينيين الواقعين تحت القصف الصهيوني اليومي، ويبقى السؤال المقلق حتى متى نخضع لابتزاز أميركا…؟