لماذا سمحت الصين لمواطنيها بإنجاب طفل ثالث؟
أجواء برس
قررت الصين، اليوم الجمعة، السماح للزوجين بإنجاب الطفل الثالث. وجاء ذلك بموجب تعديل تشريعي، ارتكزت فيه الصين على الإجراءات الداعمة والتحفيزية، لسياسة جديدة، بهدف تحسين الهيكل السكاني للبلاد، تزامنًا مع القلق السائد بشأن زيادة معدل الشيخوخة وتراجع الولادة، وتجنب أزمة ديموغرافية.
وتقرر هذا التغيير خلال اجتماع للمكتب السياسي للحزب الشيوعي الحاكم عقد قبل نحو أسبوعين ، برئاسة الرئيس الصيني شي جين بينغ ، وهو اجتماع تمت فيه مناقشة مقترحات أخرى مثل تأجيل سن التقاعد ، وتحسين خدمات رعاية الأطفال وإجازة الأمومة. وقال بيان صدر بعد الاجتماع ، إن هناك حاجة لخطوات رئيسية تعالج المشكلة المتفاقمة لشيخوخة السكان.
وجاء القرار بعد أسابيع فقط من الإحصاء السكاني الذي يُجرى مرة كل عقد بالصين ، والذي سجل مزيدا من الانخفاض بعدد المواليد هناك للعام الرابع على التوالي ، وأظهر أن عام 2020 شهد أبطأ نمو سكاني منذ 60 عاماً ، لأكبر دولة من حيث عدد السكان بالعالم ، الأمر الذي شجع بعض الأكاديميين الصينيين للدعوة لإلغاء جميع القيود المفروضة على الإنجاب.
ويرى مراقبون أن توقيت الإعلان بعد فترة وجيزة من نشر ملخص التعداد ، يشير إلى أن البيانات التفصيلية ربما تكون مقلقة للغاية ، وقد أزعجت صانعي القرار بالصين ، ويتوقع المراقبون صدور المزيد من الإعلانات حول السياسة الديموغرافية خلال اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني نهاية العام ، والدورات التشريعية السنوية العام المقبل.
ووفقاً للإحصاء الوطني الذي تم إجراؤه نهاية العام الماضي ، ارتفع إجمالي عدد سكان الصين إلى 1.412 مليار عام 2020 ، من 1.4 مليار قبل عام، وأشارت النتائج إلى أن الأمهات الصينيات أنجبن 12 مليون طفل العام الماضي ،انخفاضاً من 14.65 مليون عام 2019 ، وهو ما يمثل تراجعاً بنسبة 18 بالمائة على أساس سنوي.
ويقول خبراء دوليون بالسياسات السكانية ، إن سياسة الطفل الثالث سيكون لها تأثير إيجابي على معدل المواليد بالصين ، ولكن ليس بالقدر الذي تأمله السلطات ، وأضافوا أنه عندما استبدلت الصين سياسة الطفل الواحد بسياسة الطفلين خلال أكتوبر 2015 ، ارتفع معدل المواليد على الفور ، لكن تأثير هذه السياسة تبدد بعد ثلاث سنوات ، وأشاروا إلى أن تكاليف المعيشة المرتفعة ومجموعة أخرى من الضغوط المرتبطة بالسكن والعمل ، يمكن أن تثني المتزوجين والمقبلين على الزواج ، عن توسيع نطاق عائلاتهم.
ويرى المركز الوطني للبحوث الاقتصادية بجامعة بكين ، أن انخفاض القوى العاملة وشيخوخة السكان يحدان من النمو المحتمل للصين ، وقد يدفعانها للسير على نفس الطريق مثل اليابان ، حيث انخفض عدد السكان منذ عام 2011 ، مترافقاً مع ركود الاقتصاد.
ويشير المحللون إلى أن نجاح تجربة الصين الاقتصادية خلال القرن العشرين ، غالبا ما اعتمد على ميزتها الديموغرافية الخاصة ، فقد تمكنت تلك الدولة ذات النظام الشيوعي من حشد ملايين العمال والأيدي العاملة لتغذية تحول غير مسبوق جعل أكبر دولة بالعالم من حيث عدد السكان ، والقوة الصناعية والاقتصادية الثانية بالعالم ، ولكن بعد سنوات من التصنيع والثراء والتحضر السريع تشهد الصين تراجعا ديموغرافيا على قدم المساواة مع دول العالم المتقدم ، مع انخفاض معدلات المواليد ، وشيخوخة السكان ، وتزايد الفجوة بين الجنسين.
ولأكثر من ثلاثة عقود من الثمانينيات ، طبقت بكين سياسة الطفل الواحد في محاولة للسيطرة على النمو السكاني السريع ، وبسبب التفضيل الاجتماعي للأبناء الذكور ، أدت تلك السياسة إلى تفوق عدد الرجال على النساء بمقدار أربعة وثلاثين مليونا عام 2020 ، وكان انخفاض عدد النساء أحد الأسباب الرئيسية لانخفاض معدل المواليد ، وقد بلغ عدد النساء في سن الإنجاب ذروته عام 2011 ، لكنه تراجع منذ ذلك الحين ، وهو ما جعل الصين تتقدم بالسن بشكل أسرع بكثير من البلدان الأخرى منخفضة ومتوسطة الدخل.
ووفقا لأحدث بيانات التعداد يبلغ عمر ما يقرب من 20 بالمائة من سكان الصين الآن 60 عاما أو أكثر ، ومن المتوقع بحلول بداية العقد المقبل ، أن يكون ما يقرب من 124 مليون شخص قد دخلوا الفئة العمرية التي تبدأ من سن 55 عاما وما فوق ، وهي أكبر زيادة ديموغرافية بين الفئات العمرية ، وعلامة على زيادة سريعة لعدد السكان ممن هم بسن الشيخوخة ، ويرجع السبب في ذلك إلى حد كبير لإرث سياسة الطفل الواحد المتشددة لبكين ، والتي دخلت حيز التنفيذ قبل أربعة عقود لتخفيض أعداد السكان المتزايدة.
ويرى الخبراء أن الصين وإن ألغت سياسة الطفل الواحد عام 2015 ، لكن إرثها سيظل يمثل مشكلة لسنوات قادمة ، فانخفاض معدلات المواليد وشيخوخة السكان ستمارس ضغطا متواصلا على القوى العاملة وبالتالي على النمو الاقتصادي ، وتعتقد قلة من الخبراء أن السياسات الجديدة ستكون قادرة على إصلاح الضرر الذي وقع على مدى أجيال متعددة ، ويشكك هؤلاء بنجاح استراتيجية إنجاب الطفل الثالث ، خاصة وأن سياسة الطفل الثاني لم تحقق أهدافها المرجوة ، وقالوا إن السياسة الجديدة خطوة إلى الأمام ، إلا أن هناك حاجة لتعزيزها بحزمة شاملة تتراوح بين الحوافز الضريبية ، وإعانات التعليم والإسكان ، وإجازة أمومة أكثر سخاء ، وتوفير رعاية الأطفال للجميع لكي تكون التحولات مثمرة وفعالة.