
يوم الأربعاء الأسود في عراد – 4
بقلم محمد حسن العرادي – البحرين
كل من حضر إلى موقع الإنفجار كان يساوره الخوف والقلق من الارتدادات والتفاعلات، ومدى انعكاس ما حدث على البيوت والمؤسسات المجاورة، لكن الأهمية القصوى أعطيت لمتابعة الضحايا من المواطنين والمقيمين، وبعد أن تم حصر الوفيات في شخصين فقط، التفت الجميع إلى بقية الخسائر جراء ذلك الإنفجار الغامض، بعضهم أكد أن الانفجار بدأ من المطعم، آخرون اشاروا إلى احتمالية بدء الإنفجار من سكن العمال، وبينما إنشغل رجال الدفاع المدني في البحث وإزالة الأنقاض، كانت الرواية الأكثر ترجيحاً حول سبب الإنفجار، أن الغاز قد تسرب من الاسطوانات المخصصة له وانحشر في إحدى الغرف، وعندما إستحكم وبلغ مداه، إنفجر بسبب شرارة ما، ويرجح أن ذلك حدث في المطعم، خاصة وأن الجدار الغربي للمطعم والمحاذي لصالون الحلاقة، قد إنهار وقذف بعيداً حتى وصل إلى مبنى جامع الإمام علي المقابل على بعد أكثر من 15 متراً، مدمراً في طريقه عدداً من السيارات التي كانت تقف بجوار المطعم والصالون، وقد انقذفت تلك السيارات إلى جهة الجامع والتصقت به، أما ما تبقى من المبنى فقد إنهار مكانه داخل حدود البيت ولم يتناثر خارجه، خاصة أحجار الدور العلوي التي بقي أغلبها متشبثاً ببعضه البعض، وهو ما يرجح فرضية بدء الإنفجار من المطعم، وربما هذا هو السبب الذي ولد ضغطاً هائلاً على الصالون المجاور للمطعم وأدى إلى وفاة من كان فيه رحمهم الله.
أكثر من 7 سيارات كانت تقف إلى جانب المطعم والبيوت المجاورة تم تدميرها تدميراً كلياً أو جزئياً، كما أدى الإنفجار إلى تصدعات في عدد من البيوت القريبة وإنهيار واجهات المحال التجارية والبيوت وتكسر نوافذها وابوابها الزجاجية على بعد أكثر من 150 متراً، لكن الخسائر الأكبر طالت جامع الإمام علي وحسينية الحاج عباس العرادي، وحين وصلنا إلى الموقع تبين بأن عدداً من الأطفال قدر عددهم بأكثر من 60 طفلاً كانوا في حلقة دراسية لتعلم القرآن الكريم، وقد أدى تصدع نوافذ وأبواب الجامع إلى هلع وخوف كبير بين الأطفال، وأصيب بعضهم بجراحات، بينها جرح بليغ في الرأس لأحد الأطفال وجرح قطعي عميق في يد شاب يبلغ عمره 17 عاماً، وقد بادر الاخ محمد عيسى الخنجر مشكوراً بنقل الأطفال إلى مستشفى الملك حمد الجامعي، حيث أجريت لهم الإسعافات والعلاجات اللازمة وبقي أحدهم في المستشفى ثلاثة أيام أو يزيد.
كان تأثير الإنفجار على جامع الإمام علي الواقع غربي البيت المنكوب كبيراً جداً، وهو ما يؤيد الرأي القائل بأن الإنفجار بدأ من المطعم في الدور الأرضي، وأدى ذلك إلى تكسر جميع النوافذ والأبواب في مدخل الجامع من جهة الشرق، كما تسبب الضغط الهائل الناتج عن الإنفجار في تحطيم أغلب نوافذ وأبواب الجامع الداخلية والخارجية، وكان من فضل الله ونعمته أن اتساع حجم المسجد قد إمتص الضغط، وخفف من تأثير الإنفجار ما أدى إلى تقليل الإصابات، خاصة وأن أغلب الأطفال كانوا بعيدين عن جدران الجامع وأبوابه المتصدعه وقت الحادث، وكان من لطف الله أيضاً أن بعض الألواح المصنوعة من الألمنيوم (الجينكو) التي سقطت على فناء الجامع من شدة الإنفجار قد حطت على الأرض بسلام ولم تقع على رأس أحد من المرتادين، وربما كان ذلك بسبب أن أغلب الناس كان قد غادر المسجد في أعقاب إنتهاء صلاة العشاء ، وذلك من فضل الله وحلمه وعنايته التي شملت الجميع.
ومع ذلك شكل الجامع الموقع الأكثر تضرراً بعد البيت المنهار، إضافة إلى أضرار كبيرة أصابت النوافذ الخاصة بحسينية الحاج عباس العرادي المجاورة حيث تكسرت ثلاث نوافذ منها بشكل كبير، فيما كانت الكسور في بقية النوافذ الأربع متفاوته بين متوسطة وصغيرة، وقد أدى ذلك إلى تطاير وتناثر الزجاج داخل الحسينية على مساحات واسعة، في وقت لم تكن تقام فعاليات داخل القاعة الرئيسية، رغم وجود عدد من أبناء الحسينية في مدخلها يقومون بتحضير الإستعدادات اللازمة لإستقبال شهر رمضان المبارك، وأدى الإنفجار إلى حالة من الارباك و الفزع، أما البيوت المجاورة فلقد كان بيت الحاج عيسى بن أحمد العكلة أكثر البيوت المتضررة حيث إهتزت جدران المنزل وتكسرت النوافذ وسقطت المكيفات واقتلعت أبواب الكراجات في الدور الأرضي كما دمرت إحدى سيارات المنزل وتأثر عدد آخر من السيارات داخل الكراجات، كما تضرر منزل الحاج عبدالله بن علي العكلة وتكسرت عدة نوافذ وأبواب وأصيب أهله بالهلع والجزع، علاوة على بعض المحلات والبيوت المجاورة بمستويات مختلفة وأضرار متفاوته، لقد كان حدثاً مرعباً سيظل عالقاً في ذاكرة المواطنين والمقيمين الذين عاصروا هذا الحدث لمدى طويل.
إن ما يهمنا التأكيد عليه هو ضرورة إعادة النظر في إجراءات وإشتراطات السلامة ومواصفات البناء في المناطق السكنية، كما يجب وضع ضوابط جديدة حول نوع المحال والأنشطة التجارية والخدمية المسموح بها داخل هذه الأحياء، وخاصة التشدد في منح التصريحات للمطاعم والمطابخ في هذه الأحياء، وفي أقل الأحوال تشديد شروط السلامة والاحتياطات الواجب توافرها لتقليل فرص واحتمالات وقوع هذا النوع من الحوادث، أما فيما يخص سكن العمالة الوافدة فإن وجودها بهذه الكثافة داخل البيوت القديمة يشكل خطراً أمنياً وإجتماعياً وإنسانياً دائماً يجب دراسته ومراقبته تفادياً لوقوع الكوارث في المستقبل، بقي أن نؤكد على أهمية نشر ثقافة تأمين المنشآت والمنازل والمحال التجارية بين المواطنين والتأكيد على ضرورة القيام بأعمال الصيانة المستمرة، الأمر الذي يتطلب تكريس المراقبة والتفتيش من قبل الجهات المعنية وخاصة البلديات، وفي السياق نفسه فإننا نطالب المجالس البلدية بإطلاق حملات توعوية تساهم في حماية المجتمعات من مخاطر البيوت الآيلة للسقوط، وبحث إمكانية إعادة طرح وتنفيذ هذا المشروع الذي توقف منذ سنوات.
وفي الوقت نفسه فإن من أهم الملاحظات والدروس المستفادة من هذا الحادث الخطير ضرورة وجود تواصل وتنسيق بين الجهات المعنية بمعالجة هذا النوع من الحوادث وبين الأهالي الموجودين في موقع الحدث، فمن غير المناسب أبعاد جميع الأهالي عن موقع الحدث وكأنهم غرباء عن المكان، والبدء في مباشرة إجراءات الانقاذ والإزالة بدون مساعدتهم والتشاور معهم وهم الأعرف والأعلم والأدرى بالمنطقة وتفاصيلها، والأقدر على تقديم المساعدة والمعونة، الأمر الذي يطرح اسئلة حول دور مؤسسات المجتمع المدني الموجودة في كل منطقة وأهمية أن تتعاون الجهات المعنية مع هذه المؤسسات لوضع خطط الإنقاذ والطوارئ وحصر المتضررين، خاصة وأن معظم مناطق ومدن وقرى البحرين اليوم تضم جمعيات أهلية وخيريه على درجة عالية من الحرفية والمهنية، قادرة على تقديم المساعدات اللوجستية والفنية.
من جهة أخرى اثبت هذا الحادث الأليم الحاجة إلى إطلاق مجموعة ورش في الإنقاذ والدفاع المدني والإسعاف والطوارئ بين المواطنين، حتى يتمكنون من القيام بالخطوات الأولى المناسبة قبل حضور الجهات المعنية، ثم يباشرون التعاون معها بعد أن تصل، ومن الملاحظات المهمة أيضا، ان تحظى فرق الدفاع المدني بالمزيد من الدورات التدريبية والمشاركة في عمليات الإنقاذ وازالة الأنقاض في الدول التي تتعرض لكوارث طبيعية كالزلازل والهزات الأرضية من أجل أن يكتسبوا التجربة والخبرة اللازمة للتعامل في مثل هذه الحالات،
ان الدروس المستفادة من حادثة يوم الأربعاء الأسود في عراد يجب أن تعمم على جميع مناطق البحرين، وقد حان الوقت لإطلاق عشرات الورش التدريبية لتكوين فرق إنقاذ أهلية في كافة مناطق البحرين، وخاصة التدرب على عملية التواصل مع الجهات المعنية والإسعاف الوطني والدفاع المدني، وكافة الأجهزة المختصة،
وفي ختام هذا التوثيق لهذه القصة المحزنة، نتوجه بالشكر الجزيل لكل الجهات والمؤسسات الرسمية والاهلية التي تعاونت من أجل وضع نهاية اقل مأساوية، ولعلها تكون عبرة نستفيد منها جميعا، ولنا عودة لهذه القصة المليئة بالدروس والعبر ..