لا تصافحوا الأيادي المجرمة
بقلم محمد حسن العرادي- البحرين
ها قد أصدرت المحكمة الجنائية الدولية حكمها القاطع بحق مجرم الحرب نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف جالنت وأثبتت عليهما إركاب جريمة الإبادة الجماعية، وطالبت دول العالم الموقعة على إتفاقية روما، وحتى الدول غير المنظمة إليها، بالقبض عليهما بمجرد أن تطأ أرجلهما أراضي هذه الدول، لقد كان حكماً قاطعاً أجبر العديد من الدول الأوربية والغربية الحليفة للكيان الصهيوني الإعلان عن الإمتثال للحكم (رغم الشكوك حول مدى التزامها بذلك)، وحيث ابدت العديد من الدول الاستعداد لتوقيفهما وتسليمهما للعدالة فماذا ستفعل الدول العربية المطبعة؟
هل ستتجاوب كافة الدول العربية والاسلامية مع حكم الجنائية الدولية وتتخذ خطوات حاسمة تقضي بعدم إستقبال المجرم السفاح نتنياهو والمجرم جالنت، أو اي من أفراد حكومة الكيان الصهيوني الإرهابية، هل ستعلن هذه الدول الإلتزام والتعهد بتوقيفهما في حال وصل اي منهم لهذه البلاد، أم أنها ستتجاهل الحكم الدولي وتواصل التنسيق مع هؤلاء المجرمين الإرهابيين، إننا جميعاً ننتظر أن تطلق كافة الدول العربية والإسلامية مواقفا قاطعة بهذا الشأن، تمهيداً لاتخاذ ما يلزم لقطع العلاقات الدبلوماسية مع هذا الكيان كما فعلت بعض دول أميركا اللاتينية البعيدة عن الأراضي المحتلة آلاف الأميال، وخاصة كولومبيا وبوليفيا.
ثم ماذا عن وقف السماح للطيران الصهيوني بعبور أجواء الدول العربية والإسلامية في طريقها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والدول الغربية الأخرى المتواطئة التي رفضت قرار المحكمة الجنائية، بل وتعهدت بملاحقة قضاة المحكمة واتهمتهم بمعاداة السامية، وتوعدت بالانتقام منهم، والسؤال مجدداً هل ستتجرأ دولنا على إغلاق الأجواء العربية والإسلامية في وجوه الصهاينة الارهابيين، أم ترى أن هذه الأجواء ستكون مجالاً حراً مفتوحاً ومباحاً لهؤلاء المجرمين؟، وهل تمتلك أي من الدول العربية والإسلامية الجرأة لإجبار الطائرات الصهيونية العابرة في اجواءها على الهبوط للتفتيش والتأكد من عدم وجود مطلوبين للعدالة على متنها.
لقد سقطت كافة الذرائع التي كان يقدمها البعض كمبررات للتعامل مع هذا الكيان المهزوم، الذي فشل في حماية نفسه من ضربات المجاهدين في غزة فلسطين ولبنان الصامد في وجه المحتلين، وثبت للقاصي والداني بأن كل الزيف والخداع الذي روج عن مدى قوة (إسرائيل) وقدرتها على التمدد والانتشار وفرض الهيمنة والسيطرة والتفوق الأمني والاستخباري القادر على دعم أمن الدول المتحالفة أو المطبعة معها، كان محض أوهام سقطت تحت ضربات صواربخ المقاومة اللبنانية الباسلة والفلسطينية البطلة.
وإذا كانت أميركا المفتونة بالكيان الصهيوني والتي قامت بتسويقه بإعتباره وكيل دفاع ومندوب أمن وأمان، قد إضطرت للتراجع عن أكاذيبها المضللة، بل نزلت بجيوشها وبوارجها الحربية وحاملات طائراتها للدفاع عنه وحمايته من السقوط أمام حفنة صغيرة من المقاومين الابطال الصامدين الذين كسروا أنف نتنياهو وجيشه المهزوم والمأزوم، فماذا ينتظر العرب المخدوعون بقوة الكيان وقدرته على مساعدتهم، خاصة بعد أن سقطت ذريعة العداء مع ايران الإسلامية في أعقاب توقيع إتفاقية المصالحة السعودية الإيرانية في العاصمة الصينية بكين.
نحن كمتابعين مهتمين بالشأن العام نتطاع لأن تقوم الدول العربية والإسلامية المطبعة بإعادة النظر في ما سمي بالإتفاقيات الإبراهيمية في اتجاه التخلي عنها، والبحث عن بدائل إستراتيجية صلبة توطد السلام والأمن الإقليمي وتُبعد عنا شبح الحروب التي فرضت على منطقتنا وإستنزفتنا وسرقت ثرواتنا طيلة العقود الماضية، في ظل مجموعة من الأكاذيب الأمريكية الاستعمارية، وأن لا يقبل اي من القادة والمسؤولين العرب بمصافحة الأيادي الملوثة بالدم والقتل والاجرام.
وختاما لابد من القول بأن أميركا ليست وسيطاً نزبهاً أو محايداً، بل هي الراعي الأول للإرهاب وللكيان الصهيوني المجرم، وقد آن الأوان لتكون مصالحنا هي الخيار الأول الذي يجب مراعاته قبل المصالح الأمريكية، فهذه الأساطيل الحربية والقواعد العسكرية التي تدنس الأراضي العربية لا تهدف إلى حمايتنا بل هي نوع من الاستعمار والاحتلال المبطن، الذي يحرص على ضمان تفوق الكيان الصهيوني ضد الدول العربية، بإعتبار (اسرائيل) القاعدة العسكرية الاكبر لرعاية المصالح الأمريكية.
والآن بعد أن إنكشفت المؤامرات الأميركية والوهن الصهيوني المغلف بأوهام التفوق والنبوغ والتقظم التكنولوجي، آن لدولنا العربية أن تعيد تصحيح حساباتها وتعمل على تقوية وتمتن علاقاتها البينية لتكون صفا واحداً يبني مستقبلاً مُشرقا للأمة العربية التي امتحنت طويلاً بكافة أشكال الاستعمار والاحتلال، نعم آن لنا أن نثق بقوتنا ونبحث عن كل ما يعززها، وربما تكون الخطوة المطلوبة على وجه السرعة هي المصالحة العربية العربية وخاصة بين الأنظمة وفصائل المقاومات العربية التي أثبتت بأنها الرقم الأصعب العصي على الهزيمة والانكسار أمام المشروع الصهيوني الذي يوشك على السقوط.