الاستعداد لعهد الرئيس ترامب الجديد

بقلم محمد حسن العرادي – البحرين

حسناً فعلت المملكة العربية السعودية حين دعت إلى عقد قمة عربية إسلامية غير عادية في الرياض يوم أمس الاثنين 11 نوفمبر 2024، وكأنها بذلك تتخذ خطوة استباقية تحّصن بها الموقف العربي والإسلامي بخصوص العدوان الصهيوني على كل من غزة ولبنان، وهكذا فإن القرارات التي خرجت بها القمة جاءت متناسقة ومتوافقة مع المواقف المعلنة بالتمسك بحق الفلسطينيين في تقرير المصير وإقامة دولة مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس، كما أكدت حق لبنان في الدفاع عن أراضيه والحفاظ على حدوده من الانتهاكات الصهيونية المستمرة.

لقد تمكنت المملكة العربية السعودية من بناء حائط صد ضد الخطوات المتوقع أن يقوم بها الرئيس ترامب، إن أراد تكرار ضغوطه على الدول العربية والإسلامية لصالح “اسرائيل” كما فعل خلال فترة رئاسته الأولى (2016- 2020) والتي قام خلالها بابتزاز دول المنطقة وفرض الأتاوات التي وصلت إلى أكثر من 450 مليار دولار بحجة الدفاع عنها وتوفير الأمن لها، اضافة إلى فرض رؤيته المتعلقة بالاتفاقيات الإبراهيمية القائمة على التطبيع مع دولة الكيان الصهيوني، وما تبعها من استباحة كاملة للأراضي الفلسطينية، مع تكشير الدولة المستعمرة عن أنيابها وتراجعها عن جميع التزاماتها الدولية وأولها فلسفة الأرض مقابل السلام التي تبنتها القمة العربية في بيروت عام 2002 فيما عرف بمبادرة السلام العربية، واستبدالها بعقيدة جديدة تقوم على أساس (السلام مقابل السلام).

لقد أدى الضغط الأميركي بقيادة ترامب إلى دخول المنطقة في العصر الصهيوني المخزي الذي عاثت فيه (إسرائيل) في المنطقة إرهاباً وعنصرية، واشعلت الحروب الطاحنة التي تحولت إلى إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة، راح ضحيتها حتى الآن أكثر من 53 ألف شهيداً وأكثر من 100 ألف جريح، فضلاً عن تدمير قطاع غزة وبنيتها التحتية وكافة احيائه ومدنه ومخيماته، ومهاجمة مخيمات الضفة الغربية وتدميرها واغتيال قادتها ومناضليها وصولاً إلى العدوان السافر على لبنان وقتل مقاوميه وتدمير مدنه وقراه، في إنتهاك واضح لكافة القرارات الأممية بحماية تامة من حكومة الرئيس الأميركي الأسبق جو بايدن الذي سيرحل قريباً إلى مزبلة التاريخ غير مأسوف على عهده الدموي.

واذا كان الصهاينة قد ابتهجوا كثيراً بعودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وبدأوا في رفع سقف توقعاتهم وأحلامهم المتطلعة إلى تحقيق مشروعهم الاستعماري بانشاء “دولة إسرائيل الكبرى” وفق أكذوبة (أرضك يا إسرائيل من النيل إلى الفرات) حسب الخارطة التي يضعها الجنود الصهاينة على بزاتهم العسكرية، فلقد أصبحت هذه الخارطة تشمل كامل فلسطين، كامل الأردن، كامل لبنان، نصف مصر، نصف العراق، نصف السعودية، نصف سوريا، وهو ما يشير إلى أن الأحلام الصهيونية لن تقف عند حدود أطماعهم التوسعية هذه فقط بل تتجه للسيطرة التامة على مصالح ومقدرات المنطقة وشعوبها وفق مفهوم الشرق الأوسط الصهيوني.

ولا شك بأن الحركة الصهيونية العالمية لن تكتفي بإطلاق الأحلام التوسعية في الإعلام فقط، فهي تضعها كأهداف قابلة للتطبيق في مناهج مدارسها الدينية ومختلف النظم التعليمية والثقافية والسياسية التي تنشئ وتربي عليها أجيالاً من الصهاينة المحتلين المتعطشين للدم العربي، من هنا نفهم أهمية الخطوة السعودية التي جاءت لتقطع الطريق أمام عودة نهج ترامب القديم، خاصة بعد أن استمعنا إلى وزير المالية الصهيوني الارهابي بتسلئيل سموتريش الذي يمني نفسه وتابعية بضم الضفة الغربية بشكل نهائي (لدولة إسرائيل) كما فعل الكيان بضم الجولان وتحقيق الاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة له في العهد الأول ترامب.

لقد تغير الزمان والظروف السياسية وأصبحت الصورة والموقف السياسي أكثر وضوحاً، خاصة بعد أن شاهد القادة العرب والمسلمين كمية الحقد والإرهاب الصهيوني الذي يمثل التهديد الإستراتيجي ضد مصالحهم، وهو ما فرض اعادة تدوير الزوايا والبحث عن حلول سلمية وإتفاقيات ومعاهدات سلام، وربما معاهدات دفاعية ومناورات عسكرية مشتركة بين الدول العربية والإسلامية بما يحمي مصالحهم بالدرحة الأساس، وهو ما يفشل محاولة تسويق الدور الأمني للدولة المستعمرة اللقيطة الغريبة على المنطقة وشعوبها.

إننا ندعو إلى إستمرار تمتين العلاقات العربية الاسلامية كخيار إستراتيجي يحفظ أمن المنطقة وشعوبها، ويعزز من فرص التنمية المشتركة وتنسيق المواقف الإقليمية والدولية وفتح الأسواق المالية والتجارية البينية، بديلاً عن الاستغلال الأمريكي والأوروبي الذي استنزف الأموال والاستثمارات العربية والإسلامية، واستغل الثروات الطبيعية بأبخس الأسعار عقوداً من الزمن، واستخدمها لتغليب مصالح الصهاينة على حساب مصالح شعوب المنطقة، ولابد من البناء على نتائج قرارات القمة العربية الاسلامية وتعزيز الدور الريادي الذي تقوم به وتقوده المملكة العربية السعودية، فلا يستغلنا ويبتزنا ترامب أو غيره وكأننا لا نعرف مصالحنا.

أجواء برس

“أجواء” مجموعة من الإعلام العربي المحترف الملتزم بكلمة حرّة من دون مواربة، نجتمع على صدق التعبير والخبر الصحيح من مصدره، نعبّر عن رأينا ونحترم رأي الآخرين ضمن حدود أخلاقيات المهنة. “أجواء” الصحافة والإعلام، حقيقة الواقع في جريدة إلكترونية. نسعى لنكون مع الجميع في كل المواقف، من الحدث وما وراءه، على مدار الساعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى