رحيل “ضمير كل الوطن” سليم الحص وفي قلبه غصة
رجل الدولة الذي سعى للوحدة الوطنية
كتب جاد معتوق
رحل اليوم الرئيس سليم أحمد الحص، وهو ضمير كل لبنان، وكل الوطن من دون استثناء.
سليم الحص، السياسي والاقتصادي اللبناني البارز، عن عمر يناهز 92 عامًا. وُلد الحص في 20 ديسمبر 1929 في بيروت، وكان أحد الشخصيات المؤثرة في السياسة اللبنانية خلال النصف الثاني من القرن العشرين ومطلع القرن الواحد والعشرين. شغل الحص مناصب عديدة في الحكومة اللبنانية، وكان رمزًا للنزاهة والاعتدال في فترة من أكثر الفترات اضطرابًا في تاريخ لبنان.
المناصب والأعمال
سليم الحص كان رئيسًا للوزراء في لبنان في فترات حرجة. تولى هذا المنصب للمرة الأولى من 1976 إلى 1980 خلال الحرب الأهلية اللبنانية. قاد الحص الحكومة في وقت كانت البلاد تمر فيه بأزمات كبيرة، حيث عمل على تعزيز الوحدة الوطنية وإيجاد تسويات سياسية للصراعات الداخلية.
عاد الحص إلى رئاسة الوزراء مرة ثانية بين عامي 1987 و1990، في فترة كانت تشهد محاولات لإنهاء الحرب الأهلية. ولعب دورًا رئيسيًا في محادثات الطائف التي أدت إلى اتفاق الطائف عام 1989، وهو الاتفاق الذي وضع حدًا للحرب الأهلية اللبنانية.
وفي عام 1998، تولى الحص رئاسة الوزراء للمرة الثالثة والأخيرة، حيث ركز على الإصلاحات الاقتصادية ومحاربة الفساد. كما شغل عدة مناصب وزارية أخرى خلال مسيرته السياسية، منها وزارة المالية ووزارة الاقتصاد.
إرثه وتأثيره
عُرف الحص بنزاهته واهتمامه بالإصلاحات الاقتصادية والسياسية، وكان مناصراً لقضايا العدالة الاجتماعية ومكافحة الفساد. كما كان له دور بارز في إدارة الأزمات السياسية والاقتصادية التي مر بها لبنان خلال مسيرته السياسية الطويلة.
بوفاة سليم الحص، يفقد لبنان أحد أبرز رجالاته الذين سعوا جاهدين لتعزيز الوحدة الوطنية والتوازن السياسي في البلاد. سيظل إرثه في السياسة اللبنانية محفورًا في ذاكرة الأجيال كرمز للنزاهة والاعتدال في زمن الاضطرابات.
مواقف حياته
سعى منذ اغتيال رفيق الحريري إلى لعب دور توافقي بطرحه مبادرات تسوية رغم اتهامات خصومه له بمحاباة الموالين لسوريا. وكان يعتبر من أشد المعارضين للحريري ولمشروعه. حاول حين ترؤسه الحكومة الأولى بعهد الرئيس إميل لحود أن يلاحق كل رجال الحريري الذين عملوا معه بتهم فساد. يتبنى الديمقراطية كشعار للبنان. بعام 1988 وعندما كان يتولى رئاسة الحكومة بالنيابة وبعد انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميّل رفض تسليم الحكم للحكومة العسكرية التي شكلها الجميل برئاسة قائد الجيش العماد ميشال عون وذلك كونها لا تضم وزراء من الطوائف الإسلامية وأصبح بلبنان حكومتين، وكان يعتبر من وجه نظر الموالين له والمناوئين لعون بأنه يتولى مهمة رئيس الدولة بالنيابة. ولعب دوراً مهماً في إقرار اتفاق الطائف.
ميقاتي
صدر عن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي البيان الآتي: “بكل حزن وأسى، أنعي الى اللبنانيين دولة الرئيس سليم الحص الذي رحل في أصعب وادق مرحلة يحتاج فيها لبنان الى ضميره وحسه الوطني والعروبي والى حكمته ورصانته وحسن ادارته الشأن العام.
الكتابة عن الرئيس سليم الحص مهمة صعبة وسهلة في الوقت ذاته. صعبة لأن كل الكلمات لا تفيه حقه، وسهلة لأنه بحر من العطاء في حياته المهنية. كان اقتصاديا بارزا ومثال الخبرة والاخلاق والعلم، يضع المصلحة العليا ومصلحة المواطن فوق كل اعتبار وكان متجرداً وموضوعياً ودستورياً بامتياز.
الرئيس الحص الذي وصل إلى أعلى ما يمكن أن يصل إليه رجل عصامي بنى نفسه بنفسه ليصل إلى أعلى درجات العلم، وأرفع المناصب، ليكون رئيس حكومة ناجحاً في لبنان، ويستحق بعد سنوات من العطاء والتضحية لقب “ضمير لبنان” ويدخل الى الابد في وجدان اللبنانيين. رحمه الله واسكنه فسيح جنّاته”.