لا يوم كيومك يا أبا عبدالله…
بقلم محمد حسن العرادي – البحرين
حين أطلق الإمام الحسن المجتبى عليه السلام وهو يجود بنفسه يوم إستشهاده في العام 49 هجرية، عبارته المشهورة وهو يخاطب أخيه الإمام الحسين بن علي عليه السلام قائلاً (لا يوم كيومك يا أبا عبدالله) هل كان يتحدث عن حجم الإجرام والإرهاب والقتل الذي سيتعرض له الإمام الحسين وأهل بيته وأنصاره في يوم كربلاء فقط، أم أنه كان يستقرء التاريخ والمستقبل ويرى بعين البصيرة كيف أن هذا اليوم العاشورائي العظيم سيتحول الى يوم عالمي للعزة والكرامة يلتقي فيه الأحرار من كل أقطار الدنيا يحيون فيه مآثر الإمام الحسين الشهيد عليه السلام وبطولات من آمن به ووقف في صفه يوم العاشر من محرم وضحى من أجل المبادئ التي آمن بها.
لا شك أن الإمام الحسن المجتبى السبط كان يعي ويُدرك الدور الكبير الذي ستلعبه النهضة الحسينية الكربلائية في تجديد الدعوة المحمدية، وكيف أنها ستسهم في إحياء دين الله والتبشير بالقيم والمبادئ التي نادى بها الرسول الأكرم (ص)، فلقد كان يعرف بعين اليقين أن الإمام الحسين (ع) امتدادٌ لمحمد المصطفى وعلي المرتضى وفاطمة الزهراء والحسن المجتبى عليهم الصلاة والسلام جميعاً ، لذلك انشغل بواقعة الطف المقدسة وهو يلفظ انفاسه وقِطعاً من كبده ودمه النازف من حر السموم التي تجرعها لحظة اغتياله التي دبرها معاوية وهو يهيئ ولاية العهد لإبنه يزيد .
معركة واحدة بدأت باغتيال الإمام الحسن المجتبى وإنتهت بمجزة كربلاء التي كان الهدف الأول منها تصفية الأسرة النبوية الهاشمية، حتى قال أحدهم (لاتبقوا لأهل هذا البيت باقية)، إنها لغة الحقد والكراهية التي تعبر عن الإرهاب التكفيري الأموي الذي تنكر لوصايا الرسول الأمين (ص) القائل (الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا) وقال أيضا (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة) وقال أيضا (الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا) وقال أيضا (ذرية كل نبي من صلبه وذريتي من صلب علي وفاطمة) وقال أيضاً (أحب الله من أحب حسينا) وقال أيضا (حسين مني وأنا من حسين )، فهل يعقل أن يدعي أحدٌ من الناس عدم معرفته بمكانة السبطين وأن يُقدم على اغتيال الحسن وذبح الحسين، إنما كان ذلك بدافع حب الدنيا والتسلط الذي عبر عنه معاوية بكل وضوح حين قال ( إني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا فإنكم تفعلون ذلك، إنما قاتلتكم لأتأمر عليكم وقد أعطاني الله ذلك، وأنتم كارهون).
وها هو صدى مقولة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام (لا يوم كيومك يا أبى عبدالله) يتردد وينتشر في كافة أصقاع الأرض، في يوم عاشوراء ترتفع الرايات الحسينية السوداء على قمم الجبال والبنايات وتسود الشوارع والطرقات والمدن والأحياء والحواري في كل مكان منادية ياحسين ياشهيد، حتى أن الإمام الحسين الشهيد لم يعد رمزاً للشيعة أو المسلمين فحسب، بل أصبح رمزاً عالميا للأحرار، يهتفون باسمه ويرفعون شعاراته ويطالبون بتطبيق مبادئه التي نادى به حين وقف وحيداً فريداً في وجه الظلم والاستبداد، قائلاً ” ألا وأن الدعي إبن الدعي قد ركز بين إثنتين بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأنوف حمية، ونفوس أبية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام … “.
أنه النداء الخالد أبد الدهر والزمان يحي الحق وينصر العدالة وينتصر للمظلومين أياً كان دينهم أو مذهبهم، مهما كان عرقهم ولون جلدهم أبيضاً، أسوداً، أحمراً، أصفراً، كل ذلك بالنسبة للإمام الحسين سواء فقد ضم جيشه الصغير أنصاراً من كل الفئات والأعراق، كيف لا وهو الذي تربى في مدرسة والده أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام القائل (الناس صنفان اما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)، هكذا يخلد التاريخ يوم عاشوراء حتى قيام الساعة، عظم الله أجورنا وأجوركم بهذا المصاب الجلل الذي يتجدد في كل عام الى يوم القيامة، وصدق من قال (كذب الموت فالحسين مخلد كلما أخلد الزمان تجدد).