لعنة غزة – الجزء الثاني

عيسى سيار *

في الجزء الأول من مقالنا البحثي عملنا إسقاطاً او مقاربة بين ما يطلق عليه “لعنة الفراعنة: وبين تداعيات الحرب الوحشية على غزة على الكيان الصهيوني، وهو ما اطلقت عليه “لعنة غزة”، واعتقد جازماً بأن هذه اللعنة بدأت تطارد القادة الصهاينة ورئيس أميركا جو بايدن وعصابته الأوروبية وكل قائد من الغرب والشرق، وقف متفرجاً على المجازر التي يرتكبها الكيان الصهيوني أو داعماً لها. ولو جملنا واختصرنا تداعيات لعنة غزة فيمكننا أن نستعرضها في 7 أنواع، وهي كالتالي:

1. سياسياً: لقد تآكل رصيد الكيان الصهيوني السياسي الذى بناه بالكذب والتدليس لمدة 76 عاما، فلم يعد الكيان الصهيوني بعد 7 أكتوبر الدولة الديمقراطية الوحيدة فى الشرق الأوسط، الدولة المظلومة! وأنكشفت عورته للقاصي والداني، وأصبح الكيان فى نظر معظم شعوب العالم الأكثر دموية وعنصرية وشمولية، وتوالت ضده الادانات من الكثير من الدول ومختلف المنظمات الدولية، ولأول مرة تكون الادانات مباشرة وصريحة وتذكر بالاسم اسرائيل وصادرة من أعلى السلطة الأممية من أمينها العام السيد كوتيرش. ولأول مرة في تاريخ الكيان تفرض عقوبات صريحة على مواطنين صهاينة من قبل أميركا ودول غربية رغم انها مازالت متواضعة، وهناك اصوات قوية وجريئة من دول وشخصيات وازنة تطالب بفرض عقوبات على الكيان شديدة كما فرضت على روسيا وإيران، ولعل آخر اللعنات السياسية اعلان ثلاث دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي (إسبانيا وايرلندا والنرويج) الاعتراف بدولة فلسطين دولة ذات سيادة، وبالتالي يصل عدد دول الاتحاد الأوروبي التي اعترفت بدولة فلسطين إلى 11 دولة. ويمكنني القول إن فزاعة وتابو معاداة السامية سقط فى الدرك الأسفل وإلى الأبد.
2. عسكرياً: لقد تكبد الكيان الصهيوني خسائر تكاد تكون غير مسبوقة فى تاريخة فى الأرواح والعتاد ولا يعلمها إلا الله، بسبب التعتيم المشدد وغير المسبوق الذي تضعه سلطات الاحتلال على خسائرها الفعلية، وتذهب بعض المصادر الصهيونية ومنها صحف وخبراء عسكرين ومحللين عالمين وعرب الى ان الخسائر فى العتاد تجاوزت حاجز المليارات، أما الارواح فقد أعلن جيش الاحتلال أخيراً عن قتل حتى الآن حوالى 635 ضابطا وجنديا وجرح 3570 منهم 29 في حالة حرجة، وهذه الخسائر تقل بكثير عن الواقع حيث يتجاوز عدد جنودهم القتلى حاجز الألف حسب تقديرات فصائل المقاومة، وأيضاً محلليين يعتد بهم كاللواء فايز الدويري، وبالتالي فالخسائر أكبر من أي من الحروب النظامية التي خاضها الكيان مع الدول العربية، وسبب التعتيم هو المحافظة على الروح المعنوية فى الجيش الصهيوني، وأيضاً المحافظة على هدوء الجبهة الداخلية والآخذة في الاشتعال، وبعد ان تقف رحى الحرب سوف تبدأ لجان التحقيق فى عملها وتكشف المستور وسوف يتفاجأ العالم بحجم الخسائر البشرية والمادية الصهيونية وإنا لناظره قريب.
3. حقوقياً: لثاني مرة فى تاريخ الكيان الصهيوني منذ نشأته في عام 1948 يتم جره إلى محكمة العدل الدولية فى وضع المتهم، ولكن هذه المرة يضطر أن يحضر صاغرا رغماً عن أنفه للدفاع عن نفسه حتى لا تصدر المحكمة بحقه أحكاماً غيابية، تكون أكثر جبرية وإلزاماً. وأضف إلى ذلك طلب عديد من الدول التداخل في القضية بجانب جنوب افريقيا. وللعلم فإن هذه المرة الثانية التي ترفع دعوى ضد الكيان حيث كانت المرة الاولى بسبب بناء الكيان الجدار العازل،وحيث قررت المحكمة ببطلان بناءه، وحتى الآن لم يلتزم الصهاينة بتنفيذ حكم المحكمة.

ومن جانب آخر ورغم الضغوطات الرهيبة والتهديد العلني والسري من أمريكا وبعض الدول المتصهينة ينتظر أحرار العالم وبناء على طلب من مدعي عام محكمة الجنايات الدولية صدور أحكام اعتقال وجلب بحق رئيس وزراء الكيان النتن ياهو ووزير دفاعة غالانت وهي سابقة تاريخية بالنسبة إلى الكيان الصهيوني، وهذا الوضع يضع المحكمة ومدعيها العام على المحك، حيث تأخر كثيراً في إجراءاته مقارنة بسرعة تحركه في فتح تحقيقات في ملف الحرب الروسية الأوكرانية، وهنا نقول لمدعى عام المحكمة إن العدالة البطيئة تتساوى والمظالم المؤثمة قانوناً.
4. إعلامياً: لقد انكشف الكيان الصهيوني عالمياً كدولة تمارس الإرهاب والقتل ضد الإعلاميين، حيث قتل الجيش الصهيوني حتى الآن وبعمد ما يقارب من 130 إعلامياً من مختلف القنوات، وكانت آخر ممارساته القمعية إيقاف قناة الجزيرة من البث في فلسطين وسحب معدات وكالة اسوشيت برس وإيقاف عمل مكتبها، ثم تراجع عن ذلك بعد تدخل الإدارة الأميركية، والهدف من كل ممارسات الصهاينة هو التغطية على الممارسات الوحشية والابادة الجماعية متكاملة الأركان التي يقوم بها الصهاينة في غزة.
5. اقتصادياً: يعاني الاقتصاد الصهيوني من حالة شبه انهيار وهذه حقيقة مؤكدة، حيث تراجع تصنيفه من قبل وكالات التصنيف الائتماني مثل موديز منA-1 إلى A-2 بنظرة سلبية مستقبلية، وهذه سابقة تاريخية. من جانب آخر وحسب مصادر صهيونية فإن اجمالي خسائر الاقتصاد حوالى 73 مليار دولار بمعدل 250 مليون دولار منذ بدأ طوفان الأقصى، أضف إلى ذلك أكثر من نصف القوى العاملة الصهيونية جنود احتياط، وبالتالي فقد التحقوا بالعمليات في الجبهة الشمالية والجنوبية، لذا توقف عمل الكثير من الشركات والمصانع، كما قاطعت الكثير من شعوب العالم المنتجات الصهيونية، وحتى الشركات التي تدعم الكيان، ولولا الدعم الامريكي والاوربي المادي والعسكري السخي للكيان الصهيوني لكان الصهاينة الآن في مهب الريح. والأسوء ولأول مرة سوف تصل نسبة الدين العام إلى اجمالي الناتج المحلي 66%.
6. اجتماعياً وثقافياً: تعيش الجبهة الداخلية الصهيونية انقساماً عمودياً وافقياً غير مسبوقاً ولأول مرة في تاريخ الكيان وهو في حالة حرب ينادي المتظاهرون باستقالة رئيس الوزراء وإجراء انتخابات. اما من الناحية الثقافية فهناك حملة عالمية تقودها شعوب العالم وغير مسبوقة لمقاطعة الجامعات والمؤسسات الثقافية الصهيونية، وأيضاً الكتاب والمؤرخين والعلماء وكل الفعاليات الصهيونية.
7. ديموغرافياً: يواجه الكيان الصهيوني مأزقاً ديموغرافياً وجودياً يواجهه لأول مرة في تاريخه، وهو هجرة عكسية متسارعة تعد الأكبر فى تاريخه، حيث تقدر العديد من الاحصائيات بأن ما يقارب من نصف مليون صهيوني معظمهم من مزدوجي هاجروا إلى بلدانهم الاصلية، واظهرت إحصائية نشرتها صحيفة زمان إسرائيل الصهيونية بعد ثلاثة أشهر على طوفان الأقصى، هجرة حوالى 370 الف صهيوني ولا يوجد ما يؤكد عودتهم، وتأكد هروب أكثر من 200 ألف عامل أجنبي يعملون في المستوطنات. أليس هذا أكبر تهديد وجودي للصهاينة تهديد زاد في عنفوانه عن ما حصل خلال حرب 6 أكتوبر 73 المجيدة. وهناك تقارير صهيونية بأن استمرار الحرب ومن دون أن تظهر مؤشرات على نهايتها قد ضرب في مقتل مقولة أن إسرائيل أرض الميعاد ليهود العالم، والتي طالما روج لها الكيان الصهيوني. كما توجد هجرة داخلية كبيرة من مستوطنات الشمال، وأيضاً مستوطنات الجنوب حيث أصبحت خاوية على عروشها، وأصبحت مدن الكيان الصهيوني مكتضة بالهاربين من المستعمرات ما أدى إلى الضغط على الخدمات واوجد مشكلات اجتماعية عديدة.
إن لعنة غزة تتدحرج ككرة النار وهي عملت وسوف تعمل على تقطيع أوصال الكيان الصهيوني، وجعلته يعيش حالة انهيار داخلي وغير مسبوق على كافة الاصعدة، فقد اصبح كياناً منبوذاً عالمياً، قبيحاً وحشياً قاتلاً للأطفال، يعيش في غيبوبة سياسية غير مدركاً بتداعياتها، ولا يعرف اتجاه بوصلته، يرفض قيام دولة فلسطينية ويتخبط بشأن مستقبل غزة بعد أن تحط الحرب رحالها، انها فرصة لا قد لا تتكرر بالنسبة للفلسطينيين والعرب لفرض شروطهم على أميركا والغرب والكيان الصهيوني، بشأن قيام الدولة الفلسطينية. لقد خلقت غزة واقعاً سياسياً جديداً، فلن يكون ما بعد الحرب على غزة كما قبلها، فهل يستثمر الفلسطينين والعرب هذه الفرصة؟
فمن يرفع الشراع!؟
* باحث وأكاديمي بحريني

ملاحظة: حقوق المقال محفوظة للكاتب من يرغب في إعادة نشر المقال له الشكر ولكن من دون إضافة او تعديل.

أجواء برس

“أجواء” مجموعة من الإعلام العربي المحترف الملتزم بكلمة حرّة من دون مواربة، نجتمع على صدق التعبير والخبر الصحيح من مصدره، نعبّر عن رأينا ونحترم رأي الآخرين ضمن حدود أخلاقيات المهنة. “أجواء” الصحافة والإعلام، حقيقة الواقع في جريدة إلكترونية. نسعى لنكون مع الجميع في كل المواقف، من الحدث وما وراءه، على مدار الساعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى