
غزة بين إعادة الإعمار والعودة إلى الديار
ميخائيل عوض
ينشغل البعض وتنشغل وسائط ووسائل وخبراء ويجهدون انفسهم بالأبحاث والاحصائيات والسؤال عن من يمول اعادة اعمار غزة وبأي شروط إذلاليه وكم هي كميات الردم والكلفة والزمن.
تبدو اهتمامات غير ذات فائدة بعد 76 سنة على قيام إسرائيل وعشرات الحروب والجولات، وعلى أثر الطوفان العجائبية وحرب غزة غير المسبوقة، والأكثر من نوعية والواسعة والاقليمية، وما أظهرته وحققته من تحولات نوعية ومنها حرب البحار والممرات، وكشفها عن حجم انحسار الهيمنة الأميركية الانكلو- سكسونية في العالم والاقليم.
وقررت أن قضية فلسطين أصبحت علامة كونية بارزة ومقررة في انتخابات أميركا وإعادة تشكيل اوروبا ونظمها.
فتلك جهود ومهمات واهتمامات متقادمة أكل عليها الزمن وشرب، واستحضارها والتهويل بها ليس إلا اجترار ماض.
تماما كالقابعون في عتيق الأفكار المقفلة عقولهم والمتحجرة التي ترفض سماع فكرة أننا في زمن تحرير فلسطين.
غزة المعمداني وهاشم كاتمه أسرار الشام والعربية، وخاصرتها المولدة للجديد عبر الحروب كما هي وظيفتها التاريخية.
تميزت منذ احتلالها بأنها استمرت عصية واجتهدت في توليد المقاومات وإنتاج القادة، وابتداع وسائل المقاومة ومن العدم.
غزة منذ 2015، ورغم انشغال الكل بالحرب السورية والالتهاء عن محاربة إسرائيل، ولدت ظاهرة عبقرية بأن خففت الحصار الظالم عنها وأمنت نفسها بالتظاهرات على الشريط الشائك تحت شعار العودة. وابتدعت طائرات ورقية وبالونات حارقة ولم تهدأ أو تستسلم أو تنزع للتسليم وقبول التسويات والهدن الطويلة.
وهي جائعة وعريانة وقد تخلى عنها عربها والاسلاميون من جلدتها، أعدت أنفاقا ورجالا، وأمنت سلاحا وعبرت في طوفان الاقصى العجائبية إلى اراضي ال48 في قرار واع وعارف، بما يجب أن يصير وأبهرت العالم.
قاتلت وتقاتل ببسالة نادرة وبعلم ومعرفة، وبتمكن وإدارة وسيطرة لثمانية أشهر متصلة.
نعم تقاتل أميركا ونخبتها من المارينز والدلتا فوروس وتقاتل إسرائيل ومعها العالم الانكلو- ساكسوني والنظام العربي الرسمي والاسلامي، وتبلي وتقدم التضحيات التي تعجز عنها الأمم والإمبراطوريات، وقد دمرت وسويت غالب مدنها بالأرض وما زالت تقاتل.
يا أصحاب الخبرات والتحليل والاستراتيجيات لتظنون أنها تقاتل لإعادة إعمارها؟
أتظنون أنها سترفع الراية البيضاء وتستسلم لمن سيدفع لإعمار الأبراج والمباني والمشافي؟
أتفترضون أنها لا تعرف قيمة الزمن وأن إعمار غزة يحتاج لسنوات، إذا تلهت بها تكون قد ضاعت فلسطين وهجرت الضفة وفلسطين 48 ولا يعود من قيمة لها.
إن كنتم تظنون فأنتم ساذجون وعقولكم تحجرت ولغتكم تخشبت.
غزة الثائرة والمقاتلة بوعي وببسالة نادرة تعرف أن الإعمار لا يجلب التحرير والعودة إلى الديار.
وتعرف أن التسويات والهدن ما هي إلا كذبة لتقطيع الزمن ومنح إسرائيل الفرص والزمن لتهويد فلسطين.
وغزة بأم تجربتها اختبرت كيف أن كل إعمار يعاد تدميره في جولة عنف.
فقد أدرك أهلها الصابرون المثابرون على خيار المقاومة والعودة الكذبة والخطأ، وعاينوا الخطر، وقرروا أن الهدف ليس إعادة الإعمار إنما العودة إلى الديار.
فهذه هي حرب تحرير فلسطين من البحر للنهر ، ومن لا يعجبه فهذا بحر غزة لينتحر فيه أو ليبتلعه.
هذه آخر الحروب وقد قررتها إسرائيل نفسها، حرب وجود ويخوضها نتنياهو بلا هوادة، ولا يعير اهتماما لأي كلام أو ضغوط.
وغزة أدركت أن تضحياتها الجسام وتبخر عمرانها يلزمها بأن تهزم إسرائيل في الحرب الوجودية لتحقيق نبوءة نتنياهو وغالانت، إذا هزمنا فلا مكان لنا في المنطقة.
قرار غزة وحلفها المساند أن تهزموا وامكاناتهم وافرة لهزيمتكم، فارحلوا وسيعود اللاجئون إلى ديارهم.
غزة صمدت وقاتلت وتبلي حسنا لتعود الى فلسطين وتعود فلسطين عربية وسيستجيب لها القدر.
العودة الى الديار أجدى من استجداء الإعمار لتعود وتتعرض للدمار.
أفلا تعقلون.