سلام من القاهرة: يثني على دعم العرب في حل الأزمات لينجو لبنان
ألقى وزير الإقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الاعمال أمين سلام اليوم، كلمة لبنان من جامعة الدول العربية في القاهرة، خلال مشاركته في اجتماع المجلس الإقتصادي والإجتماعي قال فيها: “إسمحوا لي بداية ان اتقدم بالتهنئة للمملكة الاردنية الهاشمية لترؤسها اعمال المجلس الاقتصادي والاجتماعي في دورته 113 على امل النجاح، وأخص بالشكر كذلك الجمهورية اليمنية الشقيقة للجهود التي بذلتها طيلة فترة ترؤسها لأعمال الدورة العادية 112 للمجلس، ونحن نعلم كلنا ان انعقاد دورتنا هذه في ظروف سياسية امنية وعسكرية اقليمية تعتبر من أدق المراحل وأخطرها على منطقتنا العربية بشكل عام وعلى الوجود الفلسطيني والقضية الفلسطينية بشكل خاص. كما اتقدم بالشكر والتقدير للأمين العام لجامعة الدول العربية معالي الدكتور احمد ابو الغيط لمتابعته المتواصلة لقضايا الأمة العربية المحقة والعادلة ولجهوده الحثيثة في دعم مسيرة العمل الاقتصادي والاجتماعي العربي المشترك، ولا يفوتني أن أتوجه بالشكر الى الأمينين العامين المساعدين للشؤون الاقتصادية والاجتماعية ولكافة العاملين في الأمانة العامة على الجهود التي يبذلونها لإنجاح أعمال المجلس وكافة لجانه”.
اضاف: “لا بد لي من ان اتقدم بالتعازي وأن انحني أمام الشهداء من الأطفال والنساء والمسنين والابرياء الذين يسقطون يوميا على مذبح الشهادة في كل من فلسطين ولبنان، فبينما نحن نرحب ببعضنا البعض هنا، هناك على بعد بضعة كلمترات منا وفي هذه الأثناء واللحظات ارضان عربيتان لبنان بلدي الغالي وفلسطين الحبيبة التي تسكن قلوبنا ووجداننا وارواحنا وضمائرنا وانسانيتنا، هناك من يلملم اشلاء اولاده وعائلته وجيرانه، فأخوتي في فلسطين يسحقون عن وجه الارض واهلي في جنوب لبنان يشردون ويقتلون وتحرق تربة اراضيهم، ويبدو ان رفح وضعت على سكّة التصفية الانسانية والوجودية ايضاً. اعداد الضحايا والمصابين تجاوزت المئة الف انسان والى ازدياد وارتفاع. فبلادنا العربية كلها في حالة حرب نفسية ووجدانية وروحية وتحت قصفٍ حتى لو لم يكن قصفا او عدوانا عسكريا، بل وبسبب التغيرات في العالم يبدو ان الامور سائبة وشريعة الغاب سائدة والقوي يقضي على الضعيف وطناً كان أو إنسانا وسحقت كل المعايير والمواثيق الإنسانية والدولية وكأنها لم تكن او بالأحرى تطبق غب الطلب. فلنحدد بوصلتنا، التي عندما اهملناها تفرقنا واغتصبت قراراتنا ووحدتنا، فقضيتنا نحن العرب هي: فلسطين”.
وتابع: “ولأن الشيء بالشيء يذكر ونحن هنا مجتمعون بمناسبة انطلاق اعمال “المجلس الاقتصادي والاجتماعي” الـ113 لا بد من التذكير ان الاقتصاد هو: تحسين وتطوير الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للانسان والمجتمع. وهو تخطيط وتنظيم وادارة. فنمو وتطور ونجاح وتلبية حاجات. وكيف السبيل لذلك وبلادنا العربية مشرذمة! ففلسطين تحت القصف والابادة، والتهجير والدمار والخراب، وما زاد المصائب مصيبة هو قرار وقف الدعم عن “الاونروا” وهذا بلاء كبير على لبنان وفلسطين واينما وجد لاجئون وتداعياته المدمرة ستنعكس على الامة العربية برمتها. استمعوا لكلام دوروثي كلاوس المسؤولة الاممية فيما يتعلق بالخدمات الصحية التي تقدمها “الأونروا” في لبنان، قائلة ان 200 ألف لاجئ فلسطيني يزورون مراكز الوكالة الصحية سنويا، والتي تساهم كذلك في تحمل ما بين 50 و60% واكثر في بعض الاوقات، من نفقات علاج لاجئي فلسطين لدى القطاع الخاص في لبنان، وبالاضافة الى المساعدة النقدية التي تقدمها “الأونروا” إلى 65% من اللاجئين، والتي مكنت من خفض الفقر من نسبة تبلغ 93% إلى 80% حاليا. لذا “لا يوجد أحد قادر على تولي هذه الخدمات” التي تقدمها الوكالة للاجئي فلسطين في لبنان، ولن يكون لدى الوكالة تمويل اعتبارا من نهاية شهر شباط/فبراير. وهذا يعني أن عمليات الاونروا ستتوقف خلال شهر آذار/مارس، ما له تأثير على اكثر من 250,000 من لاجئي فلسطين الذين حسب تقديرات المنظمة يقيمون حاليا في لبنان والذين يعتمدون على خدمات الوكالة بالاضافة الى وجود 40 ألف طفل في مدارس المنظمة ومراكز التدريب المهني، ولا يوجد لديهم ملجأ آخر يذهبون إليه. وهذا يعني أن عشرات الالاف من الاطفال في الصفوف من الأول إلى الثاني عشر لن يتمكنوا من مواصلة تعليمهم وكلنا يعلم مصير الأجيال التي لا تتعلم!”.
واردف: “لهذا القرار تأثير كارثي مباشر علينا كلبنانيين واعلان حرب باردة على اقتصاد وكيان الشعب اللبناني الوجودي والمقيمين فيه، والذي سيؤثر حتما على كل من هو حاضر في هذا الاجتماع وكل المنطقة، فها هي الاجيال الصاعدة من دون تعليم وثقافة، ولبنان وطن جبران خليل جبران وايليا ابو ماضي ومهد الابجدية وجامعة الشرق، اذكركم بالمقولة الشهيرة: مصر تكتب، ولبنان يطبع والعراق يقرأ.. اين نحن من ذلك؟!”.
وقال: “نحن كحكومة لبنانية اوضحنا بشكل جلي أننا اليوم وتحديداً في هذه الحقبة المصيرية لا نملك الموارد اللوجستية والمالية والسياسية اللازمة لتولي مسؤولية اللاجئين الفلسطينيين او اي لاجئ آخر، ولبنان ارض الفصول الأربعة، ارض الأنهر والينابيع، لبنان ساحل العرب على المتوسط ، لبنان الذي تحبون وتعرفون يواجه اليوم خطرا وجوديا جديا وأقولها من دون مبالغة، وهذا لانه يحمل عبء دول العالم اجمع على مساحة 10452كلم. هل هذا هو المصير الذي نريد للبنان العربي الذي في الماضي والحاضر والمستقبل كان وسيبقى قيمة مضافة استثنائية لهذه الأمة العربية؟”.
اضاف: “نحن أيها السادة والسيدات الكرام نناقش مساعدة اللاجئين؟ ولماذا هناك لاجئون في المبدأ والاساس؟! لان هناك ظلما واستبدادا واحتلالا وانتزاع حقوق بالقوة. 1.2 مليار دولار خسائر مرتبطة بشكل اساسي بالدمار في لبنان، من اكتوبر الماضي الى اليوم جراء العدوان الاسرائيلي على جنوبنا الحبيب، حيث تعرضت اكثر من 90 قرية لاكثر من 1800 هجوم، مما تسبب في وقوع إصابات ونزوح داخلي لأكثر من 70000 شخص، وإلحاق أضرار جسيمة بالمساكن والشركات وخسائر مرتبطة بشكل مباشر بالدمار الذي لحق بالاراضي الزراعية وتلوثّها نتيجة للقصف الاسرائيلي واستعمال الفوسفور الابيض للاذى والتخريب ما ادى الى فقدان خصوبة التربة وتلف الأراضي والمحاصيل الزراعية التي تعتبر مصدر رزق أساسي في المناطق الحدودية جنوب لبنان وتلوّث مصادر المياه والماشية وتهديد صحة الانسان بالتلويث الكيميائي بالاضاف الى ان المحاصيل الرئيسية مثل الزيتون والخروب والحبوب والمحاصيل الشتوية تضرّرت بشكل كبير وقد أفادت التقارير باحتراق 47000 شجرة زيتون معمّرة وهذا يحتاج الى عشرات السنين لعودتها الى دورتها الزراعية الطبيعية، بالاضافة الى الدمار في البنى التحتية والطرقات والمباني والى اكثر من ٥٠٠ مليون دولار خسائر نتيجة إقفال المؤسسات وتوقف الأعمال، في الوقت الذي تغيب فيه مشاريع الحلول للأزمة التي تخطَّت شهرها الرابع”.
وتابع: “وفق ما كشفه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في تقرير بعنوان “حرب غزة: نتائج أولية حول الأثر الاجتماعي والاقتصادي والبيئي على لبنان” قدّم التقرير “تحليلًا أوليًا للآثار والعواقب المحتملة لحرب غزة المستمرة على الاقتصاد اللبناني والقطاعات الاقتصادية الرئيسية والبيئة، مع التركيز على المناطق الحدودية في جنوب لبنان وتضرر القطاعات الاقتصادية الرئيسية فيه بالاضافة الى ما صدر عن مركز الأمم المتحدة للإعلام: أن “القطاعات الاقتصادية الرئيسية، كالسياحة والخدمات والزراعة، تضررت أكثر من غيرها، وهي التي توفر فرص العمل والدخل لنسبة كبيرة من سكان لبنان، وأن احتمال انكماش الاقتصاد بات حتمياً ومرتفعًا”. فالوضع “خطير” في جنوب لبنان، والاقتصاد اللبناني يهتزّ بقوّة، فكيف سيكون هناك اقتصاد ونمو وتطوّر؟”.
واردف: “طريقنا صعبة ولكن بدعم اخوتنا العرب وفضلهم السابق بأدق التفاصيل على مساعدتنا فقط وفقط بحل الازمات السياسية ورفع الضغوط الاقليمية وازمات اللاجئين والنازحين عن كاهلنا، سينجو مركبنا من هذا البحر الهائج، ونحن نعلم ان محبتكم لنا فعلا وليس قولا، فالمملكة العربية السعودية وفي اخر لقاءاتنا مع القيمين فيها قالوا لي بالفم الملآن، نريد لبنان في غرفة قيادة رؤية 2030. ودولة قطر لا تغادر لبنان لمحاولاتها الحثيثة ايجاد مخرج للازمة السياسية التي نعيشها، فيغادر موفدوها من هنا ليعود رجال اعمالها بمباركة اميرها يستثمرون مشكورين في قطاعات عدة في لبنان! ونذكر ايضاً بالدور الاماراتي الذي تلا الاجتماع السعودي المصري، وما عرف عندها بلقاء “تشاوري” اماراتي – مصري – خليجي في دولة الامارات بُحِثت فيه القومية العربية حيث لم تغب القضية اللبنانية عن جدول أعماله، فمن هنا نرى ان الموقع الخليجي يشكل رأس الحربة في الدفاع عن المصالح والقضايا العربية الفعلية وان حلف الاعتدال العربي ينطلق من المسودة التي وضع أسسها سعود الفيصل عام 2007 وتقوم على اساسها التحالفات او العلاقات الاقتصادية وتُستكمل اليوم تدريجياً ضمن شعار إعادة العلاقات العربية من خلال نقطتين محوريتين: الاولى، لا يمكن الغاء دور جامعة الدول العربية، والثانية، لا يمكن التخلي عن المصالح العربية”.
وقال: “أما دولة الكويت الحبيبة وبمبادراتها ومنها ما عرف بالورقة الكويتية، التي حملها وزير الخارجية الكويتي السابق الشيخ أحمد ناصر الصباح إلى بيروت كانت اساسا لعودة السفراء العرب الى لبنان ومساعدته على تنشيط دورته الاقتصادية من خلال اعادة الثقة بلبنان. وجمهورية مصر العربية بمشاركتها الفعالة في اللجنة الخماسية تصرّ على ايجاد مخرج لازمة لبنان السياسية. نعلم جميعا محبة ومكانة الشعب اللبناني ولبنان في قلوب اشقاؤنا العرب، لكن لا بد من التكاتف ورصّ الصفوف والتنسيق العربي العربي اولاً ووحدة الموقف لسلام وازدهار شامل في منطقتنا”.
واضاف: “إخوتنا المجتمعون هنا نرجوكم مجتمعين لا تتركونا.. لا تتركوا لبنان. نحن لسنا بلدا مفلسا، ولا بلد الطلبات الكثيرة. نحن بلد عربي اعتبر حلقة ضعيفة ووضع تحت ضغوطات اقليمية ودولية سمحت للفساد والمفسدين ان يدمرو بلداً عربياً غنياً بنعم كثيرة لها اهمية لا تثمّن مادياً او معنويًا ضمن الاسرة العربية الكبيرة. لبنان اليوم هو الشقيق الصغير الضعيف الذي تتفرد به استعداداً للانقضاض الكامل مطامع واجندات خارجية لسلخه عن اسرته العربية وتحويله من جوهرة في تاج العرب الى مستنقع موبوء يضعف العرب والعروبة. نكرر نحن العرب في حالة حرب وحصار بأيادٍ خفية من فلسطين، الى لبنان، سورية، العراق، اليمن و حركة ملاحة قناة السويس التي تؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد المصري واقتصاد المنطقة وارتفاع تكاليف الشحن.. اتذكرون مدينة حلب العريقة الصناعية السورية التي اعتبرت الأشهر على الصعيد الصناعي في العالم والتي لولا قربها من دولة اخرى لكانت هي عاصمة سورية الحبيبة.. دمّرت واقفلت مصانعها وهي التي لعبت دورا هاما في اقتصاد المنطقة، فلنتوحّد”.
وتابع: “لديهم باريس ولندن وبرشلونة، امستردام، ميلان، برلين و اين نحن؟ اين بيروت ودمشق وبغداد؟ انه تدمير ممنهج لنا ولثقافتنا العربية وللغة القران الكريم واخضاع للخطط المستبدة فلا اقتصاد من دون امن وامان وسلام وثقافة ونظام تعليمي موحد. ولا اقتصاد لجيل يعتاش على الكراهية والعنصرية لنعالج العلةّ ونضع الحل”.
واردف: “اضم صوتي الى كافة الدول العربية الشقيقة على اهمية إنهاء الحرب على قطاع غزة، والتوصل إلى وقف فوري وتام لإطلاق النار، وضمان حماية المدنيين وفقاً للقانون الإنساني الدولي، ورفع كافة القيود التي تعرقل دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع ضرورة لاستقرار المنطقة وعودة المهجرين والنازحين واعادة اعمار كافة المناطق المتضررة، كما اناشد الضمير العالمي الى ادانة هذا الاعتداء الوحشي على الانسانية والوقوف مع الحقوق المشروعة لاخوتنا الفلسطينيين ودعم مبادرة السلام العربية التي اطلقها الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله من بيروت خلال انعقاد القمة العربية عام 2002”.
وقال: “إن التصدي للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية للمواطن العربي يشكل التحدي الأكبر للسياسات الاقتصادية للحكومات العربية، هذه السياسات التي ينبغي توجيهها بما يساهم في الخروج من الأزمات البنيوية والسياسية التي عصفت بعدد من الدول العربية، ومنها لبنان، الذي يعاني من اسوأ ازمة مالية ونقدية واقتصادية مرت عليه في تاريخه، ويجعل من العمل الاقتصادي والاجتماعي العربي المشترك والتفهم لمشاكل بعضنا البعض وللتفاوت في المقدرات الاقتصادية بين دولنا ضرورة ملحة في سبيل تعزيز امكانيات الدول العربية على كافة المستويات. إن منطقتنا العربية تشهد تدفقات مالية مهمة جدا نتيجة ارتفاع المداخيل من صادرات النفط كما وورش الاستنهاض العمراني والاقتصادي التي تقوم بها المملكة العربية السعودية، وبعض الدول العربية الشقيقة، متمنين لهم النجاح في خططهم وبرامجهم الخمسية والعشرية”.
واضاف: ومواكبة لهذا الواقع، ادعو الدول العربية للعمل بسرعة على اطلاق أو استكمال برامج الاصلاح الاقتصادي والاداري والقانوني لوضع أسس لاقتصادات حديثة ومتطورة ومؤهلة لاستقطاب السيولة الفائضة في العالم العربي وإقتراح آليات وأفكار لتشجيع استقطابها وتوظيفها في خدمة التنمية الوطنية والاقليمية في دولنا العربية بدلا من أن تأخذ طريقها الى مناطق ودول أخرى في العالم، داعيا صندوق النقد العربي ليضع خبراته في خدمة تحقيق هذا الهدف.
وختم قائلاً: “لا يسعني في ختام كلمتي الا أن أعرب عن أملي بأن تشكل دورتنا هذه محطة متميزة في مسيرة العمل الاقتصادي والاجتماعي العربي المشترك وتساهم في تقدم ورقي شعوبنا العربية. ونطلب من الله عز وجل ان يصلح حالنا على قدر نوايانا”.