
عجقة وفود وتهويل بالحرب على لبنان
ميخائيل عوض
لا بد من لفت النظر لأمور هامة في فهم اسرائيل وطبيعتها وقراراتها، وإذا لم نتنبه لها فسنقع بأخطاء في تقدير ما ستتصرف به وكيف ستقود نفسها إلى الانتحار والزوال.
فالمنهج العلمي والتحليلي يجب ان يأخذ بالاعتبار أن إسرائيل دولة مصنعة وليست طبيعية في بنيتها وتطورها وتشكيلاتها، تماماً كما هي عليه أميركا من دولة نظام جرت عملية تصنيعها عنوة وقسرا وبإبادة الشعوب الاصلية، وتالياً كلاهما لا يجب تحليل بناهما وتصرفاتهما وآليات اتخاذ القرارات فيهما على أنها دول تقليدية راسخة وناشئة بفعل التراكم التاريخي.
ويضاف إلى أن إسرائيل وهي دولة غير طبيعية تحولت إلى اليمينية والتطرف والتدين، ووقعت تحت قبضة نتنياهو الذي لا يعنيه من قيادتها ومن الحرب ومن المستقبل إلا حماية نفسه وفريقه ولو ادى ذلك إلى دمار ونهاية إسرائيل. ولهذان السببان والكثير غيرها وجدناها في غزة وحربها تخالف قواعد ومدارس ومناهج علوم الحروب والجيوش والمجتمعات.
فأعلن نتنياهو وغالانت الحرب على أنها حرب وجودية، ورفع أهداف يستحيل تحقيقها، ثم اقحم جيشه في حرب برية مدنية مخالفا توصيات مؤسسي العلوم العسكرية والحروب. ويستمر متعنتا برغم الاخفاقات والخسائر المهولة التي اصابت الحيش والدولة والمجتمع الاسرائيلي، ومازال يتعنت ويرتكب الحماقات والمغامرات غير المحسوبة النتائج وليس اقلها سوق اسرائيل الى المصيدة الاستراتيجية وتوريطها في حرب استنزاف لا تتحملها.
في هذا السياق وبرغم ان المعطيات كلها والعلوم على اختلاف مدارسها ومناهجها. وعنوة عن التطورات والوقائع المعاشة والجارية والتي تقطع بهزيمة اسرائيل في اية حرب مع المقاومة اللبنانية.
وبرغم اعلانات الإسرائيليين وكبار خبرائها وإعلاميها كتبوا وقالوا؛ ان قوة المقاومة في لبنان هي الف ضعف قوة غزة ومساحتها وفرصتها وسلاحها ورجالها، واسرائيل بعد ٩٥ يوما من اخفاقاتها في غزة باتت اضعف بمئة مرة منذ طوفان الاقصى، الا ان نتنياهو وغالانت يدأبون على التهديد واطلاق التصريحات عن عزم اسرائيل التورط وسوق نفسها الى المصيدة الاستراتيجية والمقتلة في لبنان.
فهل يفعلها ام هي مجرد مناورات اعلامية وهوبرات وتهويل لإعطاء الوسطاء والوفود الاوروبية التي تتزاحم الي لبنان لاستخدامها في محاولات لتحقيق مكاسب كان السيد نصر الله قد وضع حدا نهائيا لها بقوله؛ لا تفاوض ولا حوار ولا تفاعل مع العروض المجزية الا بعد وقف النار في غزة وقوله قاطع .
لنفترض ان نتنياهو ركب رأسه وساق الى اسرائيل الى المصيدة الاستراتيجية وفرض الحرب على لبنان فماذا ستكون النتيجة؟
بداية يمكن الجزم بالمعطيات الواقعية الجارية ان اسرائيل بذلت واستخدمت في غزة كل واي من عناصر قوتها وتهزم، وايضا استخدمت كل واي من عناصر قوة حلفائها اجمعين، واحتشد كل قادة العالم الأنجلو ساكسوني خلفها وجاءت الاساطيل والخبراء الأمريكيين والطيران البريطاني والاف المرتزقة وقوات المارينز والدلتا فورس من نخبة القوات الامريكية ولم يتحقق لإسرائيل اي نصر او اية نتيجة يعتد بها فكيف الحال اذا فرضت حربا مع لبنان؟؟
محور المقاومة وحد الساحات ووحد الجبهات ونسق نيرانها ودور كل جبهة وفرض حرب البحار والممرات ويكسب بها، وفرض الاشتباك على القواعد الامريكية في سورية والعراق، وبدا يستثمر في جغرافيا دوله وفصائله الواسعة والتي تجاوز الثلاثة ملاين كيلو متر مربع وليس ٣٦٠ كيلو متر التي تحاصر ضمنها غزة. وجغرافيا لبنان والمقاومة مفتوحة على سورية والعراق امتدادا لإيران. وللحزب قواعد في سورية والعراق ولايران والحشد الشعبي والجيش العربي السوري وقوى اسناده استعدوا تحسبا لتطورت الامور الى الحرب مع لبنان لينخرطوا وتعصف جبهاتهم ونيران اسلحتهم التي تم تجريبها من العراق الى حيفا والى ام الرشراش وحقل كاريش في المتوسط والمواقع العسكرية الإسرائيلية في الجولان. واختبرت مسيرات وصواريخ الحوثين في البحر والى جنوب فلسطين.
وفي الحرب الطاحنة حرب يوم القيامة تلعب الجغرافية وعدد السكان دورا محوريا في تحقيق النتائج وفي كلتاهما اسرائيل ضعيفة جدا وقاصرة ولا مجال لها للتعويض، فعدد الصهاينة في فلسطين لا يزيدون عن اربعة ملايين بينما عدد الشعوب المنخرطة في ساحات المحور يفيض عن مائتا مليون وجغرافيا فلسطين لا تزيد عن ٢٧ الف كيلو متر يشغل جزءا كبيرا منها الفلسطينيون بينما مساحات الجغرافية لمحور المقاومة تفيض عن ثلاث ملابين كلو متر مربع…
في اي منهج او منطق او علم عسكري وحربي ستكون هزيمة اسرائيل سريعة ومدوية وزوالها يصبح مسالة ايام لا اسابيع ولا اشهر حتى لو استخدمت اسلحة التدمير الشامل فمحور المقاومة لجغرافيته وعدد سكانه يحتمل اما اسرائيل لذات السببين لا تحتمل خسارة عشرات الالاف والمحور وفصائله اذا لم تكن قد امتلكت السلاح النووي و ما شابهه فادرة على الاسلحة القذرة وعلى استهداف ساحل حيفا ومستودعاته الكيماوية واستهداف مفاعل ديمونا.
والمقاومة في لبنان برغم انها قدمت مئة وخمسون شهيدا وبينهم كوادر وقياديون الا ان بنيتها وسلاحها ومخازنها التي تمتلئ بمئات الاف المسيرات والصواريخ الدقيقة والمدمرة لم تمس بعد وقد كشفت في الحرب الجارية عن قدرات ابداعية في هندسة المواجهات وفي نوعيات السلاح والأهداف التي حققت فيها اصابات وتدمير خط الدفاع الالكتروني وتحصيناته وباستهدافها لمقرات القيادة والسيطرة وفرت المسرح للمبادرة الى هجمات واسعة لتحرير الجليل والوصل الى مشارف تل ابيب، وكذا التحضير والجاهزية في الجولان التي لا يفصلها عن الضفة الا بضعة كيلومترات وضعت الخطط والعدد والقوة المناسبة لتكون متناسقة مع قفزة الرضوان في الشمال. وبإيصال الرجال والسلاح الى الضفة تنهض وتنتفض وتتحول الى مسرح الحرب التي فيها مقتلة اسرائيل.
هكذا تبدو المعطيات الواقعية والمعاشة والتوازنات حاسمة والحرب بنتيجتها محسومة وبسرعة، فلن يكون لدى لسراويل جغرافية وقيادات ومسارح لتجميع قواتها وللمناورة او لاستخدام الطيران والصواريخ لتامين حمايتها وحماية قواتها وجبهتها الداخلية.
هل تغيب عن جنرالات اسرائيل وامريكا والاطلسي هذه الوقائع بالتأكيد الجواب ليست غائبة. اما اذا ارتكب نتنياهو وساق اسرائيل الى مذبحتها فهذه من صفاته وذات ما يفعل في غزة.
اين امريكا والاطلسي وايران من هكذا حرب..
سنجيب عليها بالوقائع والمعطيات الواقعية واامعاشة…