
بحث معمق… العالم الجديد يولد من خاصرة وكرانيا ٢/
في العربية وساحل وبر الشام وقعت الحرب العالمية العظمى واشتد المخاض…
ومن أوكرانيا رجع الصدى…
ميخائيل عوض
انتهت الحرب العالمية الثانية التي استعرضت في أوآخرها أميركا عدوانيتها وطبيعتها الإرهابية، وقد قامت وتأسست على فكرة وممارسة الابادة والاستيطان وقتل البشر، باستخدامها القنبلة النووية بقصد الاستعراض وترهيب الأمم والشعوب لإخضاعها، ما حفز آخرين على امتلاك القنبلة والتقانة النووية وأسلحة التدمير الشامل، فتقرر توازن يمنع وقوع حرب ثالثة وأو حروب جبهية تتصادم فيها قوات عسكرية للأقطاب ودول النووي، فالأصح لا حرب عالمية ثالثة، لأن وقوعها يعني الإبادة وعودة البشرية إلى البدائية ولا من رابعة بعدها.
ومذاك تحولت الحروب العالمية إلى المستوى منخفض الشدة وبالواسطة وفي ساحات خلفية وثانوية، وتحولت من أن تكون ساخنة بين الأقطاب النووية لتصير باردة وبفروع متنوعة للحروب كالناعمة والإعلامية، وكسب القلوب والعقول واخضاع وإعادة هيكلة الأمم والدول بالغزوات والثورات الملونة وثورات التليميديا، وحروب الاقتصاد بالحصار والعقوبات، وقد شهد العالم حروب قاسية تواجهت فيها الأقطاب من خلف الستارة كالحرب الكورية والفيتنامية والحروب العربية- الإسرائيلي، وحصار كوبا وانقلابات أميركا الجنوبية، وعندما كسبت أميركا والأطلسي الحرب الباردة، وفرضت هيمنتها وطوبت العالم تحت السيطرة المتعجرفة الأميركية باعتبار أميركا ونظامها خلاصة وروح الرأسمالية في حقبتها ما بعد الإمبريالية في أعلى أطوارها العدوانية، كليبرالية متوحشة، وأخضعت العالم برمته وسوّقت قيمها ونموذجها وتقاليدها على الكرة الأرضية بالقوة العسكرية وبالقهر الاقتصادي وبسلاح الدولار، ولم تترك مكاناً نائياً إلا وابتلته بطبائعها.
أعلن منظري الرأسمالية نهاية التاريخ وحقبة ما بعد الحضارة وافترضت مخيلات الدارسين والخبراء ومصانع الأفكار، أن الحياة البشرية تستقيم لأحادية قطبية عدوانية ظالمة. غير أن لله في خلقه شؤون ويضع قوته في أصغر خلقه، فتنطح العرب وخاصة عرب الشرق والشمال وبجغرافية العربية القديمة التي أعطت العرب صفتهم واسمهم وقيمهم. والعربية القديمة عرفها المؤرخون والرحالة، بالجغرافية الممتدة من ساحل غزة هاشم إلى الأناضول وجبال طوروس وزغاروس امتداداً إلى الهضبة الإيرانية وتلتف جنوباً لبحر العرب، يقطعها خط وهمي في الحجاز، يقسمها إلى الشمالية الشام والرافدين والجنوبية وأخذت اليمن اسمها من الجنوب والشام من الشمال.
العربية القديمة، خلقت لتكون بوظيفة تحضير وتطوير الإنسانية وتوليد جديدها كلما تعثر وشاخ القديم، ففيها تعلم الإنسان تدجين الحيوانات واخترع المحراث والعجلة، والحرف والحرفة واللون والنوتة وقواعد التحكيم والتقاضي بين الناس وتجسدت القيم الإنسانية، وفيها نشأت ونزلت وترعرعت الأديان السماوية ومنها عممت إلى العالم أجمع… وفيها تشكلت أقدم المدن العواصم وأو تشكيلات الاجتماع البشرية والهويات المؤسسة ونشأت الامبراطوريات بين أذرعها.
ولأنها على هذه الوظيفة الأبدية صكت فيها أول معاهدة أممية مكتوبة ملعقة على جدارية مبنى الأمم المتحدة، وكانت بمثابة أول صلح أممي ينظم القوانين والقواعد لتنظيم العلاقات بين البشر وللعلاقات بين الممالك، وقعت المضبطة الأممية في قادش غرب نهر العاصي في ذات الموقع الذي حسمت فيه خيارات الأزمنة والتواريخ الجارية، وتحولت سورية وحلفها من الدفاع الاستراتيجي إلى الهجوم واستعادت السيادة، وبدأت معارك هزيمة القوى العالمية التي تورطت في سورية- معركة القصير الحاسمة والمؤسسة- فكما كانت معركة قادش 1374 ق.م. بين الحثيين والفراعنة مفصلية ولدت العصر الحضاري الأول للبشرية في عقد الصلح المكتوب، كذلك يسجل للقصير أنها شهدت وانتجت أول طلقات مخاض ولادة العالم الجديد الذي تأصلت عناصره ورسمت معالمه وقوى ارتكازه في سورية، التي خاضت باقتدار الحرب العالمية العظمى وتظفر بها مع حلفائها وهي قلب العربية القديمة ووارثة مهمتها ووظيفتها الأبدية.
-ننصح بقراءة جزئي كتاب ساحل الشام والصراعات الدولية 2400 ق.م 2004 ب . م
معارك وحروب مفصلية ومؤسسة
1982 غزت إسرائيل بيروت لاستخدام لبنان منصة أميركية أطلسية لإدارة الشرق الأوسط الكبير، وتأمين السيطرة الأميركية المديدة لتأمين القرن الأميركية وفيها هزم الاتحاد السوفيتي، وفي عام 1988 هزم الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، وفي 1989 هزم في بغداد في عاصفة الصحراء، واحتلت أميركا الخليج وزرعت القواعد، وفي1990 سقط جدار برلين، وفي 1991 أعلنت أميركا نظامها العالمي الأوحد وتربعت على قمته متعجرفة وعدوانية بطبيعتها واصل النشوء. فحسمت الحرب الباردة لصالح أميركا والأطلسي والغرب.
تحولت روسيا إلى قوة معبوث بأمنها واستقراها وعاشت فوضاها ومرحلتها الانهيارية، وانهار الاتحاد السوفيتي وسقطت الدول الاشتراكية وتبدد حلف وارسو، وكانت الصين منشغلة بتنميتها وتحقيق غايتها بالنهوض من الفقر واستراتيجياتها التعاقد مع أميركا والغرب، وتأمين جانبه واحتياجاته، ولتأمن عدوانيته والعالم وقع صاغراً تحت الهيمنة الأميركية التي انشبت مخالبها في كل مكان، وعززت مكانة ووسعت مسارح الأطلسي وأدواتها العدوانية، فأنتجت استراتيجياتها للقرن الأميركي. عصت عليها بعض البلدان والتجارب كمثل كوبا التي تحملت الحصار وثابرت على نموذجها، وكوريا الشمالية تشكلت طود في عيون أميركا المهيمنة. وإيران تمسكت بنموذجها وسورية صارت بيت القصيد وجائزة الأهداف، وبيئة المقاومات والتمرد على الهيمنة الآحادية.
إلا أنه غاب عن الغرب وأميركا أن سورية تعرف أنها وطن التغيير والتجديد، وكان قرارها حازماً بأن الزمن سيكون طوعها وإن خرجت مصر من المواجهة بعد حرب 1973 وتوقيعها اتفاق كامب ديفيد، فبديلها خيار المقاومة والتوازن الاستراتيجي ولم يبخل التاريخ على سورية، فبانتصار الثورة الإسلامية الإيرانية تحقق مبتغاها بحليف أكثر ثباتاً وموثوقية من الاتحاد السوفيتي الهرم والمتداعي، ومن أمن قومي عربي مغدور من الساداتية، وتحت هيمنة السعودية “حقبة الساداتية والسعدنة” والتطبيع ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية ومحاصرة سورية لإسقاطها.
فعادت العربية القديمة وهي قاعدة مثلث صناعة تاريخ مستقبل الإنسانية بزواياه الذهبية الثلاث إلى فاعليته، وتتأكد خلاصة تاريخ البشرية وصعود وهبوط الامبراطوريات في زوايا المثلث وقاعدته، فقد سجلت الأزمنة أن لا قوة تصبح امبراطورية إلا انتصرت في أحد الزوايا، وكل واحدة مهما عظم شأنها ستتراجع وتغرب شمسها إن هزمت بواحدة، وهذا كان مصير الاتحاد السوفياتي والنهاية الحكمية الجارية للإمبراطورية الغربية برأسها المتربع على عرش العالم، وقد هزمت في الزوايا الثلاث.
…يتبع
غداً، معارك وحروب هزيمة أميركا والأطلسي والغرب مجتمعاً في العربية بساحل وبر الشام وفي اليمن…